لا يكون الجزاء مترتّبًا على عمل لم يقع لا سيَّما الجزاء السوء؛ وإذ لا معنى لتعليق علم الله بشيء غير واقع، فقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» هو كما يقولون: ليت شعري ما صنع فلانٌ، لا يريدون البحث عن عمله؛ إذ لا عمل مقصود بمعرفته، بل يريدون: ليت شعري ماذا كانت حاله في مغيبه عنِّي.
فإن قلت: فقد ورد في رواية عن ابن عباس في هذا الحديث في «صحيح البخاري» قوله: «سئل رسول الله عن أولاد المشركين، فقال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين»، فقوله: «إذا خلقهم» ظرف، أي قد علم الله عملهم من حين خلقهم، وهو يؤيد ما حمل الشُّراح عليه معنى حديث «الموطأ». قلت: كلا؛ لأن (إذ) غير متعينة لهذا المعنى، فإن معناها التعليل، أي الله أعلم بحالهم؛ لأنه خالقهم، ويتعين حمله على هذا؛ لأن معناها التعليل، أي الله أعلم بحالهم؛ لأنه خالقهم، ويتعين حمله على هذا؛ لأن المحمل الآخر قد علمت فساده فتعيَّن غيره، ويؤيِّد ما قلته أن أحمد بن حنبل روى حديث ابن عباس أنه قال: «حدَّثني رجل من أصحاب رسول الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ربهم أعلم بهم هو خالقهم، وهو أعلم بما كانوا عاملين»؛ فلعل ما وقع في رواية البخاري: «إذ خلقهم» رواها الراوي عن ابن عباس بالمعنى حسب ظنه.
* * *
مالكٌ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقوم الساعة حتى يمُر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه».
التعريف في لفظي (الرجل) في الحديث تعريف الاستغراق، أي حتى يمرَّ كل رجل بقبر كل رجل، أي: يقبر أي رجل يمرُّ بقبره؛ فيتمنى أن يكون مكانه، أي حتى يصير الموت أحب إلى الناس من الحياة لما يلاقون في الحياة من الفتن والأضرار، وليس المراد حتى يمر رجل بقبر رجل آخر، فيتمنى أن يكون مكانه؛ لأن هذا قد يقع في كل زمان إذا عرض لبعض الناس ما يسأم منه الحياة.
كشف المغطى
من المعاني والألفاظ الواقعة
في الموطأ