وظهر من متعدد روايات: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" ما يفسرُ المرادَ بقوله في حديث عائشة هذا: "كلُّ شرابٍ أسكرَ"، وأنه لم يرد تخصيص التحريم بحالة الإسكار، بل المراد: أنه إذا كانت فيه صلاحية الإسكار، حَرُمَ تناولهُ، ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه.
ويؤخذ من لفظ السؤال: أنه وقع عن حكم جنس البتع، لا عن القدر المسكِرِ منه؛ لأنَّه لو أراد السائل ذلك، لقال: أخبرني عمّا يحلُّ منه وما يحرُم، وهذا هو المعهود من لسان العرب إذا سألوا عن الجنس، فقالوا: هل هذا نافع أو ضار مثلًا؟ وإذا سألوا عن القدر فقالوا: كم يؤخذ منه؟
وفي الحديث: أن المفتي يجوز له أن يُجيب السائل بزيادة عمّا سأل عنه إذا كان ذلك مما يحتاج إليه السائل.
وفيه: تحريم كل مسكر، سواء كان متخذًا من عصير العنب، أو من غيره.
قال المازري: أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتدَّ حلال، وعلى أنه إذا اشتد وغلى، وقذف بالزبد، حَرُمَ قليلُه وكثيره، ثم لو تخلَّلَ بنفسِه، حَلَّ بالإجماع أيضًا، فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المتجددات، فأشعر ذلك بارتباط بعضِها ببعض، ودل على أن علة التحريم الإسكار، فاقتضى ذلك أن كلَّ شراب وُجد فيه الإسكار حرم تناولُ قليلهِ وكثيرهِ، انتهى (?).
قال في "الفتح": وما ذكره استنباطًا ثبت التصريح به في بعض طرق الخبر، فعند أبي داود، والنَّسائيُّ، من حديث جابر، وصححه ابن حبان،