الثالث: متى شرب المسلمُ المكلف شيئًا من المسكرات مختارًا عالمًا أن كثيره يُسكر، سواء كان من عصير العنب أو غيره من المسكرات، قليلًا كان أو كثيرًا، ولو لم يسكر الشارب، فعليه الحد ثمانون جلدة إن كان حرًا، وعلى الرقيق أربعون، ولا حدَّ ولا إثمَ على مكرَه على شربها، سواء أُكره بالوعيد، أو بالضرب، أو ألجىء إلى شربها بأن يُفتح فوه ويُصبَّ فيه، وصبرُه على الأذى أولى من شربها (?).
وقالت طائفة: لا يُحد إلا إن سكر، منهم: أبو وائل، والنخعي، وكثير من أهل الكوفة، وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: من شربه معتقدًا تحريمه، حُدَّ، ومن شربه متأولًا، فلا حد عليه؛ لأنه مختلف فيه، فأشبه النكاح بلا ولي.
ومعتمد المذهب: يُحد بكل حال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر، فاجلدوه" رواه أبو داود (?)، وغيره، وقد ثبت أن كل مسكر خمر كما يأتي بيان ذلك في كتاب الأشربة مستوفى، فيتناول الحديث قليله وكثيره، ولأنه شراب فيه شدة مطرِبة، فوجب الحدُّ بقليله كالخمر، والاختلاف فيها لا يمنع وجوبَ الحد فيها؛ بدليل ما لو اعتقدَ تحريمها، وبهذا فارق النكاحَ بلا ولي وغيرَه من المختلَف فيه، وقد حَدَّ عمر - رضي الله عنه - قدامة بن مظعون وأصحابه مع اعتقادهم حِلَّ ما شربوه، والفرقُ بين هذا وبين سائر المختلَف فيه من وجهين:
أحدهما: إن فعلَ المختلَف فيه هنا داعية إلى فعل ما أُجمع على