قال: وقد روي أن جارية خرجت من المدينة تحتطب، فتبعها رجل، فراودها عن نفسها، فرمته بفهر، فقتلته، فرُفع ذلك إلى عمر، فقال: هذا قتيل الله، واللهِ لا يودى أبدًا (?).
ومعنى قتيل الله: أن الله أباح قتله، ولأنه إتلاف بدفعٍ مباح، فوجب أن يسقط ضمانه، كالعادل إذا قتل الباغي، فإن قتل الدافع، فهو شهيد؛ لما روي عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قُتل دون دمه، فهو شهيد، ومن قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، فهو شهيد" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه (?)، ومن حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل دون ماله، فهو شهيد" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه (?).
فإن كان الدفع عن حرمته مثل أن يجد رجلًا مع امرأته أو ابنته أو أخته يزني بها، أو مع ابنه يلوط به، فدفعُه واجبٌ عليه، رواية واحدة؛ لأنه قد اجتمع فيه حق لله -تعالى-، وهو منعه عن الفاحشة، وحقٌّ لنفسه بالمنع عن أهله، فلا يسعه إضاعةُ هذه الحقوق؛ لأن الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر واجبٌ في غير هذه الصورة، ففيها أولى أن يجب.
وإن كان الدفع عن نفسه؛ مثل من قصد قتلَه أو قطعَ عضو من أعضائه، ففي وجوبه روايتان:
إحداهما: يجب؛ لقوله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]،