وقد حملت طائفة ذلك على من أوصى به، أو كانت عادتهم ذلك، ولم ينههم، يعني: يوصي قبل موته ألَّا يحدثوا قولًا ولا فعلًا منكرًا، وهذا كان مشهورًا عند العرب، وهو كثير في أشعارهم، كقول طرفة: [من الطويل]
إذا مِتُّ فانْعِيْني بما أنا أَهْلُه ... وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يا بنةَ مَعْبَدِ (?)
وصحح هذا القول طوائف، منهم: أَبو البركات ابن تيمية؛ لأنه إذا غلب على ظنه فعلهم له، ولم يوصهم بتركه، فقد وصى به، وصار كمن ترك النهي عن المنكر مع القدرة عليه، فأما إذا أوصاهم بتركه، فخالفوه؛ فاللَّه أكرم من أن يعذبه بذلك.
قال الإمام ابن القيم: وقد حصل بهذا القول إجراء الخبر على عمومه في أكثر الموارد، قال: وإنكار عائشة -رضي اللَّه عنها- لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه؛ فإنهم قد يحضرون ما لا تحضره، ويشهدون ما تغيب عنه، واحتمال السهو والغلط بعيد جدًا، خصوصًا في حق خمسة من أكابر الصحابة، وهم: عمر، وابنه، وأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، والنعمان بن بشير في قصة عبد اللَّه بن رواحة -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-.
ثم إن عائشة -رضي اللَّه عنها- محجوجة بروايتها عنه: أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن اللَّه يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه" (?)، فإذا لم تمتنع زيادة الكافر عذابًا بفعل غيره، مع كونه مخالفًا لظاهر الآية، لم يمتنع ذلك في حق المسلم؛ فإن اللَّه تعالى كما لا يظلم عبده المسلم؛ لا يظلم الكافر، واللَّه أعلم.