وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس اللَّه روحه- مذهبًا حسنًا، وملخصه: بأن هذه الأحاديث لا تحتاج إلى شيء من هذه التعسفات، وليس فيها -بحمد اللَّه- إشكال، ولا مخالفة لظاهر القرآن، ولا لقاعدة من قواعد الشرع، ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل: إن الميت ليعاقب ببكاء أهله عليه، أو بنوح أهله عليه، وإنما قال: إنه ليعذب بذلك.

ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قطعة من العذاب" (?)، وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر، ويحصل للميت الألم في قبره بمجاورة أهل البدع والفسق والعصيان، ويتأذى بذلك كما يتأذى الإنسان بما يشاهده من عقوبة جاره، ونص الإمام أحمد على أن الموتى يتأذون بفعل المعصية عندهم، فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم؛ من لطم الخدود، وتمزيق الثياب، وخمش الوجوه، وتسويدها، وقطع الشعر ونتفه، ودعاء بدعوى الجاهلية، وكل هذا موجود في غالب جهال أهل زماننا، فإذا وجدت هذه الأفعال والأقوال على هذا الوجه، حصل للميت الألم في قبره بذلك، فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه، انتهى (?).

ومثل هذا ما حكاه القبب القسطلاني بأن تعذيبه توبيخ الملائكة له بما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015