وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] اسْتِثْنَاءُ حَالٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» اسْتِثْنَاءُ حَالٍ فَيَكُونُ الصَّدْرُ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ إلَّا فِي الْمُقَدَّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدَرِهَا وَإِنْ جُعِلَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَيُعْمَلُ بِالْمُعَارَضَةِ إنْ أَمْكَنَ وَلَا مُعَارَضَةَ لَهُ إلَّا فِي وَصْفِ الْفِسْقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَئِنْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَيْ وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا فَيَكُونَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ تَوْقِيتًا بِحَالِ مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ فَلَا تَبْقَى صِفَةُ الْفِسْقِ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِانْعِدَامِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لَا لِمُعَارِضٍ مَانِعٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْخَصْمُ.
قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءُ حَالٍ أَيْضًا إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ الْعَفْوِ الَّذِي هُوَ حَالُهُنَّ عَنْ نِصْفِ الْمَفْرُوضِ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ فَيُحْمَلُ الصَّدْرُ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ أَيْ لَهُنَّ نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ أَيْ فِي حَالِ الطَّلَبِ وَالسُّكُوتِ وَحَالِ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْجُنُونِ وَالْإِفَاقَةِ إلَّا فِي حَالَةِ الْعَفْوِ إذَا كَانَتْ الْعَافِيَةُ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَتْ عَاقِلَةً بَالِغَةً فَكَانَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي نَظَرًا إلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ النِّصْفَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا إذَا جَاءَ الْعَفْوُ بَلْ سُقُوطُهُ بِالْعَفْوِ بِتَصَرُّفٍ طَارِئٍ فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا لَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّدْرِ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فِي أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ حَالٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ الْمُسَاوَاةِ مِنْ الطَّعَامِ فَيُحْمَلُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُجَانِسُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِيَتَحَقَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ حَقِيقَةً وَالْمُسْتَثْنَى حَالٌ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فَيُحْمَلُ الصَّدْرُ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُجَازَفَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُسَاوَاةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ إلَّا فِي الْكَثِيرِ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ هُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ إذْ الْمُشْتَرَى فِي الطَّعَامِ لَيْسَ إلَّا الْكَيْلَ بِالْإِجْمَاعِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَيْلًا بِكَيْلٍ» وَبِدَلِيلِ الْعُرْفِ فَإِنَّ الطَّعَامَ لَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا وَبِدَلِيلِ الْحُكْمِ فَإِنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ الْكَيْلِ فِي الطَّعَامِ لَا يُوجِبُ الْمِثْلَ بَلْ يُوجِبُ الْقِيمَةَ لِفَوَاتِ الْمُسَمَّى، وَالْمُفَاضَلَةُ وَالْمُجَازَفَةُ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْكَيْلِ أَيْضًا إذْ الْمُرَادُ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَيْلًا.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُجَازَفَةِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا أَوْ بِتَفَاضُلِهِمَا مَعَ احْتِمَالِ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُفَاضَلَةِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَةِ أَوْ الْحَفْنَتَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِاسْتِحَالَةِ اسْتِخْرَاجِ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي هِيَ مَعْنًى مِنْ الْعَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَكِنْ إنْ جَعَلْتُمُوهُمَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَبِيعُوا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَيَبْقَى الصَّدْرُ مُتَنَاوِلًا لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَوْلُكُمْ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ الْعَمَلُ بِهَا مَجَازًا آخَرَ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا بِإِضْمَارِ الْأَحْوَالِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَالْإِضْمَارُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَجَازِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إضْمَارِ الْأَحْوَالِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُسْتَثْنَى الطَّعَامَ الْمَوْصُوفَ بِالْمُسَاوَاةِ أَيْ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ مُتَسَاوِيَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مُتَسَاوِيَيْنِ إلَّا الطَّعَامَ الْمُتَسَاوِيَ بِالطَّعَامِ الْمُتَسَاوِي