. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَبَقِيَ الْقَلِيلُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرَ مُتَسَاوِيَيْنِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ حَالٍ وَأَنَّهُ يَجِبُ إدْرَاجُ الْأَحْوَالِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَحْوَالَ مُنْحَصِرَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ الْعِلَّةُ مِنْ أَحْوَالِهِ كَالْمُفَاضَلَةِ وَالْمُجَازَفَةِ أَيْ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْمُفَاضَلَةِ وَالْمُجَازَفَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُسَاوَاةِ فَيَبْقَى الْقَلِيلُ دَاخِلًا فِي الصَّدْرِ.
قُلْنَا حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُنْقَطِعِ الَّذِي هُوَ مَجَازٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. قَوْلُهُمْ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَتَضَمَّنُ مَجَازًا آخَرَ قُلْنَا قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْمَجَازِ وَهُوَ الْإِضْمَارُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فَأَمَّا الْمَجَازُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَتَرَجَّحَتْ الْحَقِيقَةُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الدِّينَارِ وَالْكُرِّ مِنْ الدَّرَاهِمِ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ جَائِزٌ مِنْهَا عِنْدَ الْخَصْمِ وَلَا وَجْهَ لِصِحَّتِهِ إلَّا الْإِضْمَارَ أَيْ إلَّا مِقْدَارَ مَالِيَّةِ كَذَا فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمُتَّصِلِ مَعَ الْإِضْمَارِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُنْقَطِعِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءُ عَيْنٍ لَا اسْتِثْنَاءُ حَالٍ قُلْنَا هُوَ اسْتِثْنَاءُ بَيْعِ الطَّعَامِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا اسْتِثْنَاءُ عَيْنٍ وَقَوْلُهُمْ لَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ الْأَحْوَالِ فِي الثَّلَاثِ قُلْنَا إنَّمَا حَكَمْنَا بِانْحِصَارِهَا فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ» وَالطَّعَامُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ يُرَادُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» وَلِهَذَا قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ الشَّعِيرِ وَالْفَاكِهَةِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَى فَاكِهَةً يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ.
وَسُوقُ الطَّعَامِ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِسُوقِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا وَيُسَمَّى مَا يُبَاعُ فِيهِ غَيْرُ الْحِنْطَةِ سُوقَ الشَّعِيرِ وَسُوقَ الْفَوَاكِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَبْوَابِ اللِّسَانِ لَا مِنْ فِقْهِ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ الْبَيْعُ لَا يُجْزِئُ بِاسْمِ الطَّعَامِ أَوْ الْحِنْطَةِ فَإِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْحَبَّةَ الْوَاحِدَةَ وَلَا يَبِيعُهَا أَحَدٌ وَلَوْ بَاعَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا صَارَ مُتَقَوِّمًا، وَلَا يُعْرَفُ مَالِيَّةُ الطَّعَامِ إلَّا بِالْكَيْلِ فَيَثْبُتُ وَصْفُ الْكَيْلِ بِمُقْتَضَى النَّصِّ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ الْمَكِيلَ بِالطَّعَامِ الْمَكِيلِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ انْحَصَرَ الْأَحْوَالُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَذَلِكَ أَيْ عُمُومُ الْأَحْوَالِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا فِي الْمُقَدَّرِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ. يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُدْرَجُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُنَاسِبُ الْمُسْتَثْنَى بِوَصْفٍ خَاصٍّ لَا بِوَصْفٍ عَامٍّ فَإِنَّك إذَا قُلْت لَيْسَ فِي الدَّارِ إلَّا زَيْدٌ يُدْرَجُ فِي الْكَلَامِ إنْسَانٌ لَا حَيَوَانٌ وَلَا شَيْءٌ، فَهُنَا إنَّمَا يُدْرَجُ مَا يُنَاسِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْكَيْلِ وَهُوَ الْمُفَاضَلَةُ وَالْمُجَازَفَةُ لَا الْقِلَّةُ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِ وَالشَّيْءِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» اسْتِثْنَاءٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ أَيْ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا حَالَةَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ فَيَكُونُ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ وَثَبَتَ بِهَذَا النَّصِّ أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا الْحُرْمَةُ الْمُوَقَّتَةُ فِي الْمَحَلِّ دُونَ الْمُطْلَقَةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْحُرْمَةُ الْمُوَقَّتَةُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْبَلُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْكَيْلِ، فَأَمَّا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْمُسَاوَاةَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا ثَبَتَ حُرْمَةً مُطْلَقَةً، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّصِّ فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرِّبَا