وَالِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ مُتَّصِلٌ وَمُنْقَطِعٌ أَمَّا الْمُتَّصِلُ فَهُوَ الْأَصْلُ وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّدْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فَجُعِلَ مُبْتَدَأً مَجَازًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدْرِ الْكَلَامِ ثَابِتًا قَصْدًا وَكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا إشَارَةً اُخْتِيرَ فِي التَّوْحِيدِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الْإِثْبَاتُ أَيْ الْإِقْرَارُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ وَنَفْيُ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ بِأَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ غَايَةً لِلنَّفْيِ فَيَنْتَهِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِوُجُودِ تِلْكَ الْغَايَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْإِثْبَاتُ إشَارَةً وَالنَّفْيُ قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّصْدِيقِ الْقَلْبُ يَعْنِي التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ أَوْ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ بَيَانِ حُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَاخْتِيرَ فِي الْبَيَانِ أَيْ فِي الْإِقْرَارِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَصْلِيٍّ الْإِشَارَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ النَّفْيَ بِاللِّسَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَيْضًا بَلْ الْأَصْلُ فِيهِ الْقَلْبُ كَالْإِثْبَاتِ، وَقَدْ اُخْتِيرَ فِيهِ النَّفْيُ قَصْدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْإِثْبَاتِ كَذَلِكَ أَيْضًا قُلْنَا إنَّمَا اُخْتِيرَ النَّفْيُ قَصْدًا إنْكَارًا لِدَعْوَى الْخُصُومِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ ادَّعَوْا الْأُلُوهِيَّةَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَاشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ فَاخْتِيرَ النَّفْيُ بِاللِّسَانِ قَصْدًا رَدًّا لِدَعْوَاهُمْ وَلِهَذَا اُبْتُدِئَ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ فَأَمَّا الْكُلُّ فَقَدْ أَقَرُّوا بِأُلُوهِيَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِقَوْلِهِ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] فَيُكْتَفَى بِالْإِثْبَاتِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِيهِ.

، ثُمَّ جَعْلُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ غَايَةً لِلنَّفْيِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا جُعِلَ صَدْرُ الْكَلَامِ نَفْيًا لِمُطْلَقِ الْأُلُوهِيَّةِ لَكِنْ لَوْ جُعِلَ نَفْيًا لِلْأُلُوهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ غَايَةً؛ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَنْتَهِي بِالِاسْتِثْنَاءِ حِينَئِذٍ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] فَيَكُونُ الْإِثْبَاتُ قَصْدًا أَيْضًا فَأَمَّا قَوْلُهُ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ فَنَفْيٌ لِوَصْفِ الْعِلْمِ عَامًّا وَقَوْلُهُ إلَّا زَيْدٌ تَوْقِيتٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ وَمُقْتَضَى التَّوْقِيتِ عَدَمُ الْمُوَقِّتِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَعَدَمُهُ يَثْبُتُ بِضِدِّهِ فَلَمَّا كَانَ نَفْيُ الْعِلْمِ مُوَقَّتًا إلَى زَيْدٍ يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْعِلْمِ فِي زَيْدٍ فَكَانَ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِ مَقْصُودًا وَإِثْبَاتُ الْعِلْمِ لَهُ إشَارَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ رَدٌّ لِزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ مَوْصُوفٌ بِالْعِلْمِ وَلَا يُنْكِرُ عِلْمَ زَيْدٍ بَلْ يُقِرُّ بِكَوْنِهِ عَالِمًا فَكَانَ نَفْيُ الْعِلْمِ هُوَ الْمَقْصُودَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَالْمُتَكَلِّمُ بِقَوْلِهِ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ نَفَى الْعِلْمَ عَنْ غَيْرِهِ قَصْدًا وَأَثْبَتَ الْعِلْمَ لَهُ إشَارَةً، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا جُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَهِيَ الْحَظْرُ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي بِالْإِذْنِ مَرَّةً كَمَا فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ كَلَامِهِ بِدَلَالَةِ حَرْفِ الْإِلْصَاقِ أَيْ لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي فَيَكُونُ جَمِيعُ الْخَرُوجَاتِ الْمَوْصُوفَةِ غَايَةً لَا خُرْجَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَلَا يَنْتَهِي الْحَظْرُ بِالْإِذْنِ مَرَّةً فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَالْغَايَةُ مُطْلَقُ الْإِذْنِ إذَا وُجِدَ انْتَهَى الْحَظْرُ لَا مَحَالَةَ.

وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي دَاخِلٌ عَلَى الْخُرُوجِ لَا عَلَى الْحَظْرِ وَالْخُرُوجُ فِعْلٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فَلَا يَصْلُحُ الِاسْتِثْنَاءُ غَايَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِيمَا يَمْتَدُّ فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ فَدَاخِلٌ عَلَى الْحَظْرِ وَالْحَظْرُ مِمَّا يَمْتَدُّ فَيَصْلُحُ غَايَةً لَهُ فَلِذَلِكَ يَنْتَهِي بِالْإِذْنِ مَرَّةً

. قَوْلُهُ (وَالِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مُدَّعَاهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ لَهُ مُقَدِّمَةً فَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ أَيْ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ نَوْعَانِ:

حَقِيقَةٌ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ الِاسْتِثْنَاءُ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْد الثُّنْيَا وَمَجَازٌ وَهُوَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015