فَجُعِلَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بِحَقِيقَتِهِ وَصِيغَتِهِ وَكَانَ طَرِيقًا فِي اللُّغَةِ يَطُولُ مَرَّةً وَيَقْصُرُ أُخْرَى وَجُعِلَ الْإِيجَابُ وَالنَّفْيُ بِإِشَارَتِهِ، بَيَانُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْتَهِي بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدْخُلُ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، وَالْإِثْبَاتُ بِالْعَدَمِ يَنْتَهِي، وَالْعَدَمُ بِالْوُجُودِ يَنْتَهِي وَإِذَا كَانَ الْوُجُودُ غَايَةً لِلْأَوَّلِ أَوْ الْعَدَمُ غَايَةً لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إثْبَاتِ الْغَايَةِ لِتَنَاهِي الْأَوَّلِ وَهَذَا ثَابِتٌ لُغَةً فَكَانَ مِثْلَ صَدْرِ الْكَلَامِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ قَصْدًا وَهَذَا لَا فَكَانَ إشَارَةً وَلِذَلِكَ اُخْتِيرَ فِي التَّوْحِيدِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الْإِثْبَاتُ إشَارَةً وَالنَّفْيُ قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّوْحِيدِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ فَاخْتِيرَ فِي الْبَيَانِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِفْتَاحِ أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمُتَكَلِّمِ لِلْعَشَرَةِ فِي التِّسْعَةِ مَجَازٌ إلَّا وَاحِدًا قَرِينَةُ الْمَجَازِ لَكِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْدَادِ نُصُوصٌ فِي مَدْلُولَاتِهَا غَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ لِغَيْرِ مُسَمَّيَاتِهَا كَالْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ إذَا كَانَ كَلِمَةَ فَرْدٍ كَمَنْ وَمَا وَنَحْوِهِمَا أَوْ اسْمَ جِنْسٍ كَالرَّجُلِ وَنَحْوِهِ فَلِذَلِكَ أَيْ لِفَسَادِ كَوْنِ الْبَعْضِ حُكْمًا لِكُلِّ الْكَلَامِ بَطَلَ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مُعَارِضًا وَقَوْلُهُ فَجُعِلَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي تَقْرِيبٌ يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ مُعَارِضًا جُعِلَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي، فَكَانَ أَيْ التَّكَلُّمُ بِمَا يَدُلُّ الْمَطْلُوبُ طَرِيقًا فِي اللَّغْوِ يَطُولُ مَرَّةً وَهِيَ مَا إذَا قُرِنَ بِالْكَلَامِ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَقْصُرُ أُخْرَى يَعْنِي صَارَ لِلْعَدَدِ الَّذِي هُوَ تِسْعُ مِئِينَ مَثَلًا عِبَارَتَانِ طَوِيلَةٌ وَهِيَ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً وَقَصِيرَةٌ وَهِيَ تِسْعُمِائَةٍ وَجُعِلَ الْإِيجَابُ وَالنَّفْيُ بِإِشَارَتِهِ أَيْ ثَابِتًا بِإِشَارَتِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَجُعِلَ لِلْإِيجَابِ وَالنَّفْيِ أَيْ جُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْإِيجَابِ وَالنَّفْيِ بِإِشَارَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِنَظْمِ الْكَلَامِ لَكِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الثَّابِتِ بِدَلَالَةِ الْتِزَامٍ لَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ فَكَانَ مَجَازًا وَالْأَوَّلُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ بَيَانُهُ أَيْ بَيَانُ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالنَّفْيَ ثَبَتَا بِإِشَارَتِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ مُوجَبُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ يَنْتَهِي بِالْمُسْتَثْنَى، وَالْإِثْبَاتُ بِالْعَدَمِ يَنْتَهِي وَالْعَدَمُ بِالْوُجُودِ يَنْتَهِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنَافٍ لِلْآخَرِ فَيَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ ضَرُورَةً فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا كَانَ الصَّدْرُ إثْبَاتًا لِلْمَجِيءِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ.

قَوْلُهُ إلَّا زَيْدًا انْتَهَى ذَلِكَ الْإِثْبَاتُ إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ مُجَاوِزًا إلَى زَيْدٍ كَمَا أَنَّ بِالْغَايَةِ يَنْتَهِي أَصْلُ الْكَلَامِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا جَاءَنِي إلَّا زَيْدٌ كَانَ الصَّدْرُ نَفْيًا لِلْمَجِيءِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَبِقَوْلِهِ إلَّا زَيْدٌ يَنْتَهِي ذَلِكَ النَّفْيُ إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ مُتَعَدِّيًا إلَى زَيْدٍ فَإِذَا انْتَهَى مُوجَبُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَاللَّيْلِ يَنْتَهِي بِوُجُودِ النَّهَارِ وَعَكْسِهِ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْغَايَةِ فَإِذَا كَانَ الْوُجُودُ غَايَةً لِلْأَوَّلِ أَيْ لِمُوجِبِ أَوَّلِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ نَفْيًا أَوْ الْعَدَمُ غَايَةً إذَا كَانَ الصَّدْرُ إثْبَاتًا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إثْبَاتِ الْغَايَةِ لِيَتَنَاهَى الْأَوَّلُ فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيًا لَا مَحَالَةَ لَكِنْ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَايَةٌ لَا لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلنَّفْيِ أَوْ لِلْإِثْبَاتِ قَصْدًا، وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا ثَابِتٌ لُغَةً أَيْ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ اللُّغَةِ فَكَانَ مِثْلَ صَدْرِ الْكَلَامِ أَيْ فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مِثْلَ صَدْرِ الْكَلَامِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مُوجِبِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ لُغَةً فَلِذَلِكَ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْ مُوجِبُ صَدْرِ الْكَلَامِ ثَابِتٌ قَصْدًا.

، وَهَذَا أَيْ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا لَيْسَ بِثَابِتٍ قَصْدًا فَكَانَ إشَارَةً أَيْ ثَابِتًا بِإِشَارَةِ الْكَلَامِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فَإِطْلَاقٌ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً لَمْ تَجِبْ الْعَشَرَةُ كَمَا لَوْ بَقَّيْتهَا وَلَكِنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُقِرِّ لَيْسَ بِنَصٍّ نَافٍ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ بَلْ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ وَكَمَا قَالُوا ذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ مَجَازًا، وَهَذَا حَقِيقَةً، قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ اُخْتِيرَ فِي التَّوْحِيدِ) كَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ مُوجَبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015