وَالثَّالِثُ لِتَصْحِيحِ مَا قُلْنَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُودَ التَّكَلُّمِ وَلَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا وَلَا انْعِقَادَ لَهُ بِحُكْمِهِ أَصْلًا سَائِغٌ مِثْلَ الِامْتِنَاعِ بِالْمُعَارِضِ بِالْإِجْمَاعِ مِثْلَ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَإِعْتَاقِهِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى جُعِلَ مُعَارِضًا فِي الْحُكْمِ بَقِيَ التَّكَلُّمُ بِحُكْمِهِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ ثُمَّ لَا يَبْقَى مِنْ الْحُكْمِ إلَّا بَعْضُهُ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حُكْمًا لِكُلِّ التَّكَلُّمِ بِصَدْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَلْفَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ لَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى التُّسْعُمِائَةُ أَلْفًا بِخِلَافِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَارَضَ الْعُمُومَ فِي بَعْضٍ بَقِيَ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ وَرَاءَ دَلِيلِ الْخُصُوصِ ثَابِتًا بِذَلِكَ الِاسْمِ بِعَيْنِهِ صَالِحًا لَأَنْ يَثْبُتَ بِهِ كَاسْمِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خُصَّ مِنْهُ نَوْعٌ كَانَ الِاسْمُ وَاقِعًا عَلَى الْبَاقِي بِلَا خَلَلٍ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْعَامَّ إذَا كَانَ كَلِمَةَ فَرْدٍ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ صَحَّ الْخُصُوصُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِالْفَرْدِ وَإِذَا كَانَتْ صِيغَةَ جَمْعٍ انْتَهَى الْخُصُوصُ إلَى الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرُ فَلِذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَارِضًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْكَلَامِ بَلْ يَثْبُتُ مُوجِبُ أَوَّلِ الْكَلَامِ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَكَانَ قَائِمًا بِالْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهُ وَالْحُكْمُ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتِمُّ بِآخِرِهِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ مَقْصُودُ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا، احْتَمَلَ الْكَلَامُ التَّوَقُّفَ عَلَى آخِرِهِ لِيَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ خُصُوصًا إذَا احْتَمَلَ التَّغَيُّرَ بِآخِرِهِ كَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ احْتَمَلَ مُسْنَدٌ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْكَلَامِ مَعْنًى فَإِنَّ الْجُمْلَةَ فِي قَوْلِهِ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ فِي تَأْوِيلِ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ وُقِفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ مِنْ قَبِيلِ إقَامَةِ الْمُظْهَرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ أَيْ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ حَتَّى يَتِمَّ احْتَمَلَ الْكَلَامُ وَقْفَ أَوَّلِهِ عَلَى آخِرِهِ، وَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ لِإِبْطَالِ طَرِيقَةِ الْخَصْمِ وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ بِالْمُعَارَضَةِ لَا لِإِثْبَاتِ الْمُدَّعَى.

قَوْلُهُ (وَالثَّالِثُ) : أَيْ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ الْمَعْقُولِ لِتَصْحِيحِ مَا قُلْنَا أَيْ لِإِثْبَاتِ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ أَنَّ التَّكَلُّمَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ مُنْعَقِدَ الْحُكْمِ سَائِغٌ أَيْ جَائِزٌ كَمَا جَازَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لِمُعَارِضٍ وَقَوْلُهُ وَلَا انْعِقَادَ لَهُ بِحُكْمِهِ أَصْلًا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا وَقَوْلُهُ (مِثْلُ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَإِعْتَاقِهِ) يَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ سَائِغٌ يَعْنِي قَدْ يَسْقُطُ حُكْمُ الْكَلَامِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بِالْمُعَارَضَةِ، وَقَدْ يَنْعَقِدُ لِلْحُكْمِ أَصْلًا مِثْلَ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِعْتَاقِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَمْ يَنْعَقِدَا لِلْحُكْمِ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَبِيلِ الْمُمْتَنِعِ لِمُعَارِضٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ قَبِيلِ مَا لَا انْعِقَادَ لَهُ لِلْحُكْمِ أَصْلًا كَمَا قُلْنَا فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا.

بَيَانُهُ أَيْ بَيَانُ التَّرْجِيحِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى جُعِلَ مُعَارِضًا فِي الْحُكْمِ كَمَا قَالَهُ الْخَصْمُ لَزِمَ إثْبَاتُ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ إذَا جُعِلَ مُعَارِضًا بَقِيَ التَّكَلُّمُ بِحُكْمِهِ أَيْ مَعَ حُكْمِهِ أَوْ مُنْعَقِدًا لِحُكْمِهِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ، ثُمَّ لَا يَبْقَى مِنْ الْحُكْمِ إلَّا بَعْضُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ الْبَاقِي لَا يَصْلُحُ حُكْمًا لِكُلِّ التَّكَلُّمِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى تَمَامِ مُسَمَّاهُ بِالْوَضْعِ لَا عَلَى بَعْضِهِ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مُسَمَّاهُ أَصْلًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّ اسْمَ الْأَلْفِ مَثَلًا لَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى تِسْعِمِائَةٍ أَصْلًا وَمَتَى جُعِلَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَقِيَتْ صُورَةُ التَّكَلُّمِ فِي الْمُسْتَثْنَى غَيْرَ مُوجِبٍ لِحُكْمِهِ وَهُوَ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ فَسَادٍ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَوْلَى وَذُكِرَ فِي كُتُبِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَظُنُّهُ مُصَنَّفَ الشَّيْخِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ أَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَقَدْ لَا يَنْعَقِدُ بِحُكْمِهِ فَيُتَأَمَّلُ أَنَّ إلْحَاقَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَيِّهِمَا أَوْلَى فَنَقُولُ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالْحَقِيقَةِ وَمَا قَالَهُ الْخَصْمُ عَمَلٌ بِالْمَجَازِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَلْفَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْحُكْمَ بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى يَسْقُطُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ مُنْعَقِدٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُوجِبُ الْأَلْفَ بَلْ يُوجِبُ تِسْعَمِائَةٍ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِالْمَجَازِ فَإِنَّ تِسْعَمِائَةٍ غَيْرُ الْأَلْفِ حَقِيقَةً فَكَانَ إطْلَاقُ اسْمِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَلَوْ جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ مَانِعًا عَنْ التَّكَلُّمِ بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى بِحُكْمِهِ كَانَ هَذَا عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْأَلْفِ وَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ تِسْعُمِائَةٍ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَلْفُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ مُطَوَّلٌ.

، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَلْفَ لَا يَحْتَمِلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015