أَحَدُهَا أَنَّ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ اسْتَوَى فِيهِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ كَالنَّسْخِ.

وَالثَّانِي أَنَّ دَلِيلَ الْمُعَارَضَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْخُصُوصِ وَالِاسْتِثْنَاءُ قَطُّ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِمَا قَبْلَهُ فَلَمْ يَصْلُحْ مُعَارِضًا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ حَتَّى يَتِمَّ كَمَا لَا يَجُوزُ بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ احْتَمَلَ وَقْفَ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ بِآخِرِهِ الْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ وَهَذَا الْإِبْطَالُ مَذْهَبُ الْخَصْمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَانِعٍ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَامْتِنَاعُ الْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ التَّكَلُّمِ سَائِغٌ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَاطِبَةً أَيْ جَمِيعًا قَالُوا إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا كَمَا قَالُوا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَإِذَا ثَبَتَ الْوَجْهَانِ أَيْ مَا قَالُوا إنَّهُ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي وَإِنَّهُ إثْبَاتٌ وَنَفْيٌ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَقُلْنَا إنَّهُ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بِوَضْعِهِ أَيْ بِحَقِيقَتِهِ وَإِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ بِإِشَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ غَيْرُ مَذْكُورَيْنِ فِي الْمُسْتَثْنَى قَصْدًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثَبَتَ ذَلِكَ ضَرُورَةَ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِثْبَاتِ يَتَوَقَّفُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا يَتَوَقَّفُ بِالْغَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ ظَهَرَ النَّفْيُ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْإِثْبَاتِ فَسُمِّيَ نَفْيًا مَجَازًا وَمَعْنَى الِاسْتِخْرَاجِ أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ بَعْضُ نَصِّ الْكَلَامِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا وَيُجْعَلُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى لَا أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ بَعْضُ حُكْمِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْكَلَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَيَانًا إذَا جُعِلَ الْمُسْتَثْنَى غَيْرَ ثَابِتٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالتَّخْصِيصِ لَمَّا كَانَ بَيَانًا لَمْ يَكُنْ الْمَخْصُوصُ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَعَرُّضٌ لِلْكَلَامِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ بَعْضَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَالتَّخْصِيصُ تَعَرُّضٌ لِلْحُكْمِ بِنَصٍّ آخَرَ بِخِلَافِهِ.

قَوْلُهُ (أَحَدُهَا) أَيْ أَحَدُ وُجُوهِ الْمَعْقُولِ أَنَّ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ كَالنَّسْخِ فَإِنَّ نَسْخَ الْكُلِّ جَائِزٌ كَنَسْخِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَسْتَوِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ هَاهُنَا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُسْتَغْرِقَ بَاطِلٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ وَتَصَرُّفٍ فِي الْحُكْمِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ بِجَعْلِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بَقَاءُ شَيْءٍ يُجْعَلُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ بِأَنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا وَبَزِيعًا وَفَرْقَدًا وَلَيْسَ لَهُ عَبْدٌ سِوَاهُمْ أَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَفَاطِمَةَ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهُنَّ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ.

، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذِكْرِنَا دَلِيلُ الْخُصُوصِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَوِ الْبَعْضُ وَالْكُلُّ فِيهِ حَتَّى جَازَ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بِاعْتِبَارِ سُنَّةِ النَّسْخِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَوَى فِيهِ الْكُلُّ وَالْبَعْضُ حَتَّى جَازَ نَسْخُ الْكُلِّ كَنَسْخِ الْبَعْضِ وَلَكِنَّهُ بَيَانٌ بِاعْتِبَارِ شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا بَعْدَ تَخْصِيصِ الْكُلِّ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ تَخْصِيصُهُ.

وَالثَّانِي أَيْ مِنْ وُجُوهِ الْمَعْقُولِ أَنَّ دَلِيلَ الْمُعَارَضَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَيْ يَسْتَبِدُّ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ مِثْلِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ لَا يَصْلُحُ دَافِعًا لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ وَالِاسْتِثْنَاءُ قَطُّ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ يَعْنِي عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ لِافْتِقَارِهِ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى بِأَوَّلِ الْكَلَامِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا مِائَةً لَا تُفِيدُ شَيْئًا بِدُونِهِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً إلَّا مِائَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ لَا يَكُونُ مُفِيدًا أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ تَسَاوِي الْمُتَعَارِضَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا فِي الْقُوَّةِ بِخِلَافِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فَإِنَّهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَقُومُ بِصَدْرِ الْكَلَامِ فَكَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَالتَّبَعُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَصْلُحْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015