وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ أَيْضًا أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وَسُقُوطُ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْإِيجَابِ يَكُونُ لَا فِي الْإِخْبَارِ فَبَقَاءُ التَّكَلُّمِ بِحُكْمِهِ فِي الْخَبَرِ لَا يَقْبَلُ الِامْتِنَاعَ بِمَانِعٍ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَاطِبَةً إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَإِذَا ثَبَتَ الْوَجْهَانِ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا إنَّهُ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بِوَضْعِهِ وَإِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ بِإِشَارَتِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْمَعْقُولُ فَوُجُوهٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَاهُ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ إلَهٌ وَكَذَلِكَ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ أَيْ وَمِثْلُ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ التَّقْدِيرُ فِي قَوْلِهِ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ عَالِمٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مَدْحُ زَيْدٍ بِأَنَّهُ عَدِيمُ النَّظِيرِ فِي الْعِلْمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَقْصُودُ إلَّا بِهَذَا التَّقْدِيرِ وَلَوْ جُعِلَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي لَا يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْعِلْمِ عَنْ غَيْرِهِ يَصِيرُ مَقْصُودًا حِينَئِذٍ لَا إثْبَاتَ الْعِلْمِ لَهُ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الدَّلِيلُ فَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَرْفَعُ التَّكَلُّمَ بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَمَا وُجِدَ حَقِيقَةً يَسْتَحِيلُ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً، وَإِذَا نُفِيَ التَّكَلُّمُ صِيغَةً نُفِيَ بِحُكْمِهِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمَدْلُولِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِارْتِفَاعِ التَّكَلُّمِ بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إنْكَارِ الْحَقَائِقِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِامْتِنَاعِ الْحُكْمِ بِالْعَارِضَةِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَصَدْرِ الْكَلَامِ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى مَعَ قِيَامِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً.

وَامْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ مَعَ بَقَاءِ التَّكَلُّمِ سَائِغٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ وَكَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ مِنْهُ يَمْتَنِعُ حُكْمُهُ فِي الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ صُورَةً وَهُوَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ لَا لِعَدَمِ التَّكَلُّمِ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ فَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّكَلُّمِ مَعَ وُجُودِهِ حَقِيقَةً فَغَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُ، ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ قَدْ تَقَعُ بِجِنْسِ الْأَوَّلِ وَبِخِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْمُعَارَضَاتِ بَيْنَ الْحِجَجِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ لِصِحَّةِ الْمُعَارَضَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَدَافُعٌ، وَقَدْ وُجِدَ فَإِنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لِلْإِيجَابِ وَالِاسْتِثْنَاءَ لِلنَّفْيِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَيَتَدَافَعُ الْحُكْمُ فِي قَدْرِ الْمُعَارَضَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ بَطَلَ بِقَدْرِ الْمُعَارَضَةِ بِلَا اعْتِبَارِ مَعْنَى وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ اُحْتِيجَ إلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَمَا يَقُولُونَ إنَّ عَقْدَ الِارْتِهَانِ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ لِلدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَصِيرُ عَيْنُ الرَّهْنِ مُسْتَوْفًى بِالدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَصِيرُ الْمَعْنَى مِنْهُ مُسْتَوْفًى إذَا هَلَكَ أَوْ بِيعَ بِالدَّيْنِ عَلَى أَصْلِيٍّ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ أَيْضًا) فَقَوْلُهُ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى الْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ لَا إلَى النَّصِّ فَإِنَّ الْخَصْمَ لَمْ يُمْسِكْ بِهِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَنَا احْتَجُّوا بِحِجَجٍ ثَلَاثٍ كَمَا أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِشُبَهٍ ثَلَاثٍ.

أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] أَنَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْخَمْسِينَ عَنْ الْأَلْفِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ لُبْثِ نُوحٍ فِي قَوْمِهِ قَبْلَ الطُّوفَانِ فَلَوْ كَانَ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَمَا اسْتَقَامَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَخْبَارِ وَلَاخْتَصَّ بِالْإِيجَابِ كَدَلِيلِ الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ صِحَّةَ الْخَبَرِ بِنَاءٌ عَلَى وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَالْمَنْعُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ لَا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي.

وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَثَبَتَ أَنَّ جَعْلَهُ مُعَارِضًا لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ لَمَّا بَقِيَ بِحُكْمِهِ لَا يَقْبَلُ الِامْتِنَاعَ بِمَانِعٍ بِخِلَافِ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ فِي الْحَالِ فَإِذَا عَارَضَهُ مَانِعٌ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْأَلْفِ بِجُمْلَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] ثُمَّ عَارَضَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْخَمْسِينَ لَزِمَ كَوْنُهُ نَافِيًا لِمَا أَثْبَتَهُ أَوْ لَا فَلَزِمَ الْكَذِبُ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَزِمَ أَيْضًا إطْلَاقُ اسْمِ الْأَلْفِ عَلَى مَا دُونَهُ وَاسْمُ الْأَلْفِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَهُ بِوَجْهٍ، وَقَوْلُهُ فَبَقَاءُ التَّكَلُّمِ بِحُكْمِهِ فِي الْخَبَرِ لَا يَقْبَلُ الِامْتِنَاعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015