وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] سِيَاقُ الْكَلَامِ لِإِبَاحَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي اللَّيْلِ وَنَسْخِ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَظْرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] أَيْ الْكَفَّ عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَكَانَ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلْجِمَاعِ اخْتِصَاصٌ وَلَا مَزِيَّةَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي النَّهَارِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] بَعْدَ إبَاحَةِ الْجِمَاعِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَحَرْفُ " ثُمَّ " لِلتَّرَاخِي فَتَصِيرُ الْعَزِيمَةُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يَنْقَضِي، إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ، إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا تَقْدِيمَ النِّيَّةِ عَلَى الْفَجْرِ بِالسُّنَّةِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّيْلُ أَصْلًا فَلَا وَفِي إبَاحَةِ أَسْبَابِ الْجَنَابَةِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تُنَافِي الصَّوْمَ فِيمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَارِثِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ لَا نَفَقَةُ النِّكَاحِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ فِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ وُجُوبِ أَجْرِ الْإِرْضَاعِ عَلَى الْأَبِ وَفِيهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ إذَا كَانَتْ طَعَامًا وَكِسْوَةً لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ مَعَ الْجَهَالَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الصِّفَةِ وَالنَّوْعِ كَمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِهِنْدَ خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» .

وَمَا يَكُونُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لَهُ بِالْمَعْرُوفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ مَعَ الْجَهَالَةِ يَصْلُحَانِ أُجْرَةً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ الظِّئْرَ فِي الْعَادَةِ كِفَايَتَهَا مِنْ الطَّعَامِ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى وَلَدِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُونَهَا كِفَايَتَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ لِكَوْنِ وَلَدِهِمْ فِي حِجْرِهَا فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ.

وَذُكِرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ جِنْسِ الثِّيَابِ وَفِي الطَّعَامِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ لَا تُكْسَى كِسْوَةَ الْأَصْلِ وَتُطْعَمُ طَعَامَهُمْ فَكَانَتْ الْكِسْوَةُ مَجْهُولَةً جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ عَادَةً.

1 -

قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الثَّابِتِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ وَمِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الْآيَةَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ طَرَفُ بَيَاضِ النَّهَارِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ طَرَفُ سَوَادِ اللَّيْلِ شَبَّهَ دِقَّتَهُمَا بِالْخَيْطِ. وَمِنْ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ.

وَالْمُرَادُ تَبَيُّنُ ضَوْءِ النَّهَارِ مِنْ ظَلَامِ اللَّيْلِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الضَّوْءُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ.

وَنُسِخَ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْإِبَاحَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِحْلَالِ مِنْ التَّحْرِيمِ فَإِنَّ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ أَوْ رَقَدَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ وَكَانَ ذَلِكَ صَوْمًا فَنُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَظْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مُتَعَمِّدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنَّمَا الْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِالْجِمَاعِ عَامِدًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ وَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ لِوُجُوهٍ تُذْكَرُ بَعْدُ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِهِ قِيَاسًا وَلَا دَلَالَةَ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ فَبَقِيَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مُخْتَصًّا بِالْجِمَاعِ فَقَالَ الشَّيْخُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَظْرِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُبَاشَرَةَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِيُلَائِمَ الْأَمْرَ بِالْكَفِّ عَنْهُمَا جُمْلَةً بِقَوْلِهِ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] .

أَيْ الْكَفُّ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ حَظْرُ الْكُلِّ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ لِثُبُوتِهِ بِخِطَابٍ وَاحِدٍ فَصَارَ الرُّكْنُ هُوَ الْكَفُّ عَنْهَا جُمْلَةً وَصَارَتْ الْجُمْلَةُ تُقَايِضُ هَذَا الْكَفَّ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْجِمَاعِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَا اخْتِصَاصٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ وَجَبَتْ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ دَلَالَةً لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَظْرِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ بِخِطَابٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] ثُمَّ تَفَاوَتَتْ أَرْكَانُهَا فِي الْقُوَّةِ وَالْمَزِيَّةِ حَتَّى كَانَ السُّجُودُ أَقْوَى مِنْ الرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ وَلِهَذَا قَالُوا بِسُقُوطِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ عَنْ الْقَادِرِ عَلَيْهِمَا الْعَاجِزِ عَنْ السُّجُودِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» .

«وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِثَوْبَانَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» «وَلِمَنْ سَأَلَ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنَّةِ أَعِنِّي عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015