وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّرَقُّبِ فَعَمِلَ عَمَلَ الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا صُحْبَتُك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاقِعٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْطِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَعْلِيقُ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَبَايِنَتَيْنِ بِالْأُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَةُ جَوَابًا لِلْأُولَى كَانَ وَلِهَذَا يَتَعَقَّبُهُ الْفِعْلُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا.
إلَّا أَنَّ لَوْ لِلْمَاضِي تَقُولُ جِئْتنِي لَأَكْرَمْتُك وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَوْ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ لَمَّا تَعَلَّقَ وُقُوعُهُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي إذَا عُدِمَ اسْتَحَالَ إيجَادُهُ فِيهِ بَعْدُ كَانَ الثَّانِي أَيْضًا مُمْتَنِعًا ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَعَتَقْت وَلَمْ يَدْخُلْ الْعَبْدُ الدَّارَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَدَخَلَهَا بَعْدُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ كُنْت دَخَلَتْ الدَّارَ أَمْسِ لَصِرْت حُرًّا وَلَا تَعَلُّقَ لِهَذَا الْكَلَامِ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا تَرَى إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ عَلَّقُوا الْعِتْقَ بِالدُّخُولِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ لَوْ لِمُوَاخَاتِهَا كَلِمَةَ إنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ يُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَأَنْ يُقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت أَمْرَك بِالتَّوْبَةِ لَكَانَ خَيْرًا لَك أَيْ إنْ اسْتَقْبَلْت. وَقَالَ تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] . أَيْ وَإِنْ أَعْجَبَكُمْ {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] . كَمَا أَنَّ إنْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى لَوْ قَالَ تَعَالَى إخْبَارًا {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] . وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَلَوْ بِمَنْزِلَةِ إنْ كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ وَلَيْسَ فِيهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّوَادِرِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ رُوِيَ.
وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّرَقُّبِ أَيْ الِانْتِظَارِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَرَدِّدًا فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّرَقُّبُ. ثُمَّ اللَّامُ تَدْخُلُ فِي جَوَابِ لَوْ لِتَأْكِيدِ ارْتِبَاطِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] . وَيَجُوزُ حَذْفُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70] . وَلَا تَدْخُلُ الْفَاءُ فِي جَوَابِهِ لِأَنَّ الْفَاءَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي جُمْلَةٍ لَوْ كَانَ مَكَانَهَا الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ انْجَزَمَ وَكَلِمَةُ لَوْلَا تَعْمَلُ فِي الْجَزْمِ أَصْلًا لِأَنَّهَا لِلْمَاضِي وَالْجَزْمُ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنُ الْأَهْوَازِيُّ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْفَاءَ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ لَوْ كَمَا أَنَّ الْوَاوَ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ إنْ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ هُوَ كَمَا قَالَ الْأَهْوَازِيُّ أَنَّ الْفَاءَ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ لَوْ عِنْدَ النَّجَاةِ بِلَا خِلَافٍ فَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنِّي سَأَلْت الْقَاضِيَ الْإِمَامَ أَبَا عَاصِمٍ الْعَامِرِيَّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقُلْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ وَمَا سَأَلَتْهُ عَنْ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ لَوْ شَرْطٌ صَحِيحٌ كَانَ وَقَدْ جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ أَنَّ فِي جَوَازِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ.
قَالَ وَلِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَعْتَبِرُونَ الْإِعْرَابَ لِأَنَّ الْعَامَّةَ تُخْطِئُ وَتُصِيبُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ صَحِبْتُك) . لَوْلَا لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ زِيدَتْ عَلَى لَوْ كَلِمَةُ لَا لِتَخْرُجَهُ مِنْ امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ. وَتُسَمَّى لَا هَذِهِ الْمُغَيِّرَةُ لِمَعْنَى الْحَرْفِ. وَلَا يَقَعُ بَعْدَهَا إلَّا