وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَابًا بَنَاهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرْنَا آمِنُونِي عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ قَالَ ذَلِكَ رَأْسُ الْحِصْنِ فَفَعَلْنَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَشَرَةٍ غَيْرِهِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ آمِنُونِي وَعَشَرَةً فَكَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ قَالَ بِعَشَرَةٍ فَمِثْلُ قَوْلِهِ وَعَشَرَةً وَلَوْ قَالَ فِي عَشَرَةٍ وَقَعَ عَلَى تِسْعَةٍ سِوَاهُ وَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْمُ الْمُتَبَدَّأُ فَإِذَا قُلْت لَوْلَا زَيْدٌ كَانَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ أَوْ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ لَوْلَا زَيْدٌ مَوْجُودٌ لَكَانَ كَذَا وَحُذِفَ هَذَا الْخَبَرُ حَذْفًا لَازِمًا لِطُولِ الْكَلَامِ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ قَوْلُك لَكَانَ كَذَا وَلِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي جَوَابِهَا اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْضًا فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا صُحْبَتُكِ أَوْ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ لَوْلَا حُبُّك إيَّايَ لَا يَقَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ رَبْطُ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَبَايِنَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَامْتِنَاعُ الْجَزَاءُ وَأَثَرُ الشَّرْطُ هُوَ الرَّبْطُ وَالْمَنْعُ إلَّا أَنَّ فِي الشَّرْطِ الْحَقِيقِيِّ يُتَوَقَّعُ وُقُوعُ الْجَزَاءِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَفِي لَوْلَا لَا تَوَقُّعَ لِلْجَزَاءِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ الْإِيجَابِ وَالِاعْتِبَارِ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَالَ حُسْنُهَا أَوْ مَاتَ زَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ لَوْلَا زَيْدٌ لَا تَطْلُقُ. وَقَدْ رَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوك أَوْ أَخُوك أَوْ لَوْلَا حُسْنُك أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ.
وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ (وَذَكَرَ) أَيْ مُحَمَّدٌ. فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَابًا. إلَى آخِرِهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَأْسُ الْحِصْنِ فَقَالَ آمِنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحِصْنِ عَلَى أَنْ أَفْتَحَهُ لَكُمْ فَقَالُوا لَك ذَلِكَ فَفَتَحَ الْحِصْنَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَشْرَةٌ مَعَهُ لِأَنَّهُ اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ نَصًّا بِقَوْلِ آمِنُونِي وَالنُّونُ وَالْيَاءُ يُكْنِي بِهِمَا الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ عَلَى عَشْرَةٍ وَقَدْ شَرَطَ أَمَانَ عَشَرَةٍ مُنَكَّرَةٍ مَعَ أَمَانِ نَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَشَرَةَ سِوَاهُ. ثُمَّ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ إلَى رَأْسِ الْحِصْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَا حَظٍّ مِنْ أَمَانِهِمْ لِأَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِذِي حَظٍّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي أَمَانِهِمْ فَقَدْ اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَ بِذِي حَظٍّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِأَمَانِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا لِمَنْ تَنَاوَلَهُ الْأَمَانُ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْمَجْهُولِ كَالْإِيجَابِ الْمُتَبَدَّأِ مِنْ وَجْهٍ.
وَلَوْ قَالَ أَمِّنُونِي وَعَشَرَةً عَلَى أَنْ أَفْتَحَ لَكُمْ فَالْأَمَانُ لَهُ وَلَوْ عَشْرَةٌ سِوَاهُ لِأَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ وَإِنَّمَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَفِي كَلَامِهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْعَشَرَةَ سِوَاهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِصْنِ إلَّا ذَلِكَ الْعَدَدُ أَوْ أَقَلُّ فَهُمْ آمِنُونَ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْأَمَانَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانِ لَهُمْ بِالْإِشَارَةِ إلَى أَعْيَانِهِمْ. وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحِصْنِ كَثِيرًا فَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَا جَعَلَ نَفْسَهُ ذَا حَظٍّ فِي أَمَانِ الْعَشَرَةِ وَإِنَّمَا عَطَفَ أَمَانَهُمْ عَلَى أَمَانِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُمْ لِلْأَمَانِ فَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ. وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَشَرَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ وَلَوْ قَالَ أَمِّنُونِي بِعَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ كَانَ هَذَا.
وَقَوْلُهُ وَعَشَرَةٌ سِوَاهُ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَقَدْ أَلْصَقَ أَمَانَ الْعَشَرَةِ بِأَمَانِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ سِوَاهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ زَلَّ بِهِ قَلَمُ الْكَاتِبِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ أَمِّنُونِي فَعَشَرَةً لِأَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ