وَإِذَا اتَّصَلَ الْإِكْرَاهُ بِقَبُولِ الْمَالِ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَالْمَالُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَعْدَمُ الِاخْتِيَارَ فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَيَعْدَمُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا أَوْ الْتِزَامُ الْمَالِ يَنْعَدِمُ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا فَكَأَنَّ الْمَالَ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ بَلْ وَقَعَ كَطَلَاقِ الصَّغِيرَةِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْبَدَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ يَعْدَمُ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ جَمِيعًا بِالْحُكْمِ وَلَا يُمْنَعُ الرِّضَا وَلَا الِاخْتِيَارُ فِي السَّبَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ إيجَابُ الْمَالِ فَيَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ أَوْجَبَ تَوَقُّفَ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَالِ كَذَلِكَ هَهُنَا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يَعْدَمُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ الِاخْتِيَارَ فِيهِمَا أَيْضًا فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ الْمَالِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِلُزُومِ الْمَالِ فَكَأَنْ لَمْ يُوجَدْ فَوَقَعَ بِغَيْرِ مَالٍ بِخِلَافِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ يَعْدَمُ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارَ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ وَعِنْدَهُمَا مَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لَا يُؤَثِّرُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ أَصْلًا كَشَرْطِ الْخِيَارِ وَمَا دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ يُؤَثِّرُ فِي الْمَالِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ فِي الْإِيجَابِ مِثْلَ الثَّمَنِ وَبَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ أَيْ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ وَلَا يَبْطُلُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهُوَ يُنَافِي الِاخْتِيَارَ أَيْ اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ أَيْضًا فَلَأَنْ لَا يَبْطُلُ بِمَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَلَا يُعْدِمُهُ أَوْلَى.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: الْهَزْلُ ضِدُّ الْجِدِّ كَالْكَذِبِ ضِدُّ الصِّدْقِ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِدِّ فَلَمَّا صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَعَ الْهَزْلِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْجِدِّ فَلَأَنْ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ جَادٌّ فِي تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّهُ دُعِيَ إلَى التَّصَرُّفِ بِطَرِيقِ الْجِدِّ فَإِنْ أَجَابَ إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ فَهُوَ جَادٌّ وَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ آخَرَ فَهُوَ طَابِعٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا اتَّصَلَ الْإِكْرَاهُ بِقَبُولِ الْمَالِ فِي الْخُلْعِ) إلَى آخِرِهِ إنَّمَا تَعَرَّضَ بِجَانِبِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُخَالِعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُكْرَهَةٍ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ طَائِعَةً بِإِزَاءِ مَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ فَأَمَّا إذَا أُكْرِهَتْ امْرَأَةٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ عَلَى أَنْ تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا الْخُلْعَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ لَك مِنْهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَالطَّلَاقُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَبِالْإِكْرَاهِ يَفُوتُ الرِّضَا سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ أَوْ بِقَتْلٍ وَلَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُ وُجُودَ الْقَبُولِ لَا وُجُودَ الْمَقْبُولِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالٍ يَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى قَبُولِهَا فَإِذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَبِالْإِكْرَاهِ لَا يَنْعَدِمُ الْقَبُولُ فَلِهَذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا جَمِيعًا احْتَاجُوا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ فِي الْخُلْعِ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْهَزْلِ فِي أَصْلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارَ بِالْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارَ فِي السَّبَبِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْهَزْلُ غَيْرَ مَانِعٍ لِلرِّضَى وَالِاخْتِيَارِ فِي السَّبَبِ صَحَّ إيجَابُ الْمَالِ أَيْ الْتِزَامُهُ بِالْهَزْلِ مَوْقُوفًا عَلَى أَنْ يَلْزَمَ عِنْدَ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ فَيَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ وُجِدَ الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا بِالسَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ فَيَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَالِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى وُجُودِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَا بِهِ فَأَمَّا الْإِكْرَاهُ فَلَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ فَلِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ تَمَّ الْقَبُولُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلِعَدَمِ الرِّضَا لَا يَجِبُ الْمَالُ فَكَأَنَّ الْمَالَ لَمْ يُذْكَرْ أَصْلًا.
هَذَا هُوَ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ فِي الْخُلْعِ أَمَّا بَيَانُ الْفَرْقِ لَهُمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ وَلَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ فِيهِمَا أَيْضًا يَعْنِي جَوَابُهُمَا فِي الْإِكْرَاهِ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ الْمَالِ لِعَدَمِ الرِّضَا فَصَارَ كَأَنَّ الْمَالَ لَمْ يُذْكَرْ أَصْلًا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ مَالٍ ثُمَّ إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ بِمَالٍ بِأَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا تَطْلِيقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ رَجْعِيٌّ إذَا لَمْ يَجِبْ عِوَضٌ بِمُقَابِلَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى قَبُولِ الْخُلْعِ بِمَالٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ بِخِلَافِ الْهَزْلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْمَالُ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارَ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَصَحَّ إيجَابُ الْمَالِ لِوُجُودِ الرِّضَا فِي السَّبَبِ.
وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ مَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لَا يُؤَثِّرُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ بِالْمَنْعِ أَصْلًا كَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ فِي الْمَنْعِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِالْمَنْعِ حَتَّى لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الِاخْتِيَارِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ لُزُومُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ تَابِعٌ فَيَتْبَعُ الطَّلَاقَ وَيَلْزَمُ حَسَبَ لُزُومِهِ فَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ الْهَزْلُ وَشَرْطُ الْخِيَارِ وَمَا دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ مِثْلُ الْإِكْرَاهِ يُؤَثِّرُ فِي الْمَالِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ فِي الْخُلْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ بِالذِّكْرِ فِيهِ كَمَا أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالذِّكْرِ.
فَكَانَ الْمَالُ فِي الْإِيجَابِ أَيْ فِي الْإِثْبَاتِ فِي