السُّقُوطَ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْقُطْ بِعُذْرِ الْمُكْرَهِ وَاحْتَمَلَتْ الرُّخْصَةَ أَيْضًا وَجُمْلَةُ الْفِقْهِ فِيهِ مَا قُلْنَا إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُوجِبُ تَبْدِيلَ الْحُكْمِ بِحَالٍ وَلَا تَبْدِيلَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَلَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَّا بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ الْمُكْرَهَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ لَا وَجْهَ لِنَقْلِ الْحُكْمِ بِدُونِ نَقْلِ الْفِعْلِ وَلَا وَجْهَ لِنَقْلِ الْفِعْلِ ذَاتِهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَصْرُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَفِي الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْمَرْءُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَنْفَسِخُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا أَوْ لَكِنَّهُ بِعَدَمِ الرِّضَاءِ فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ فَكَانَ الْإِكْرَاهُ دُونَ الْهَزْلِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ دُونَ الْخَطَإِ فِي الْمَانِعِيَّةِ وَقَدْ شَبَّهَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِالْهَزْلِ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِ السَّبَبِ مَعَ وُجُودِ الْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ فِي نَفْسِ السَّبَبِ وَشَبَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ بِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِ السَّبَبِ دُونَ نَفْسِ السَّبَبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ الشَّيْخُ هُوَ دُونَهُمَا دُونَ الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ فِي الْهَزْلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ عَمَّ اخْتِيَارُ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ أَصْلًا وَإِنْ وُجِدَ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَفِي الْخَطَإِ الِاخْتِيَارُ مَوْجُودٌ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا فَأَمَّا فِي الْإِكْرَاهِ فَالِاخْتِيَارُ فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَكَانَ دُونَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَنْعِ وَأَقْرَبَ إلَى فِعْلِ الطَّابَعِ مِنْهَا فَكَانَ تَصَرُّفُ الْمُكْرَهِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ تَصَرُّفِ الْهَازِلِ وَالْخَاطِئِ وَلَا يُقَالُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ مَوْجُودٌ فِي الْهَزْلِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَاخْتِيَارُ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ فِي الْإِكْرَاهِ دُونَ الْهَزْلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ فَيَسْتَوِي الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ السَّبَبِ فَلَا يُعَادَلُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ فِي الْهَزْلِ وَشَرْطِ خِيَارِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ فِي الْإِكْرَاهِ فَلَا تَثْبُتُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ بَلْ كَانَ الْإِكْرَاهُ دُونَهُمَا كَمَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ لَكِنَّهُ أَيْ الْإِكْرَاهَ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَنْعِ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا فِي الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ.

فَقَالَ الْإِكْرَاهُ لَا يَعْدَمُ الِاخْتِيَارَ وَلَكِنَّهُ يُفْسِدُهُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِذَا عَارَضَ الِاخْتِيَارَ الْفَاسِدَ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُكْرَهِ وَجَبَ تَرْجِيحُ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ إنْ أَمْكَنَ وَذَلِكَ بِاحْتِمَالِ الْفِعْلِ النِّسْبَةَ إلَى الْمُكْرَهِ بِجَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لَهُ نِسْبَتُهُ أَيْ نِسْبَةُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الِاخْتِيَارَ الْفَاسِدَ صَالِحٌ لِذَلِكَ أَيْ لِاسْتِحْقَاقِ الْحُكْمِ صَالِحٌ لِلْخِطَابِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُكْرَهَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَرُخْصَةٍ

وَلَمَّا فَرَغَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ تَمْهِيدِ أَصْلِهِ وَتَأْسِيسِ قَاعِدَتِهِ شَرَعَ فِي تَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ وَتَفْصِيلِ الْجُمْلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ الْحَاجَةُ إلَى التَّفْصِيلِ وَتَرْتِيبِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَقَالَ وَصَارَتْ التَّصَرُّفَاتُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْمُكْرَهِ كُلُّهَا مُنْقَسِمَةً إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى الْمُكْرِهِ بِجَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لَهُ وَمَا لَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَالْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ أَيْ الْإِكْرَاهُ الَّذِي لَهُ أَثَرٌ فِي الْأَحْكَامِ نَوْعَانِ حُرْمَةٌ لَا تَنْكَشِفُ أَيْ لَا تَزُولُ وَلَا تَسْقُطُ نَحْوَ حُرْمَةِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَحِلُّ لِضَرُورَةٍ مَا فَلَا يَحِلُّ بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِ غَيْرِهِ مِثْلُ حُرْمَةِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ إهْلَاكَ نَفْسِ غَيْرِهِ طَرِيقًا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَالزِّنَا فِي حُكْمِ الْقَتْلِ أَيْضًا وَحُرْمَةٌ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَصْلًا مِثْلُ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِمَا مَرَّ.

وَحُرْمَةٌ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ نَحْوُ حُرْمَةِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَبَدًا لَكِنْ تَدْخُلُهَا الرُّخْصَةُ أَيْ تَسْقُطُ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ وَحُرْمَةٌ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْقُطْ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ وَاحْتَمَلَتْ الرُّخْصَةَ كَحُرْمَةِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِإِبَاحَةِ صَاحِبِهِ وَلَمْ تَسْقُطْ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ كَمَا لَمْ تَسْقُطْ بِعُذْرِ الْمَخْمَصَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَحَقُّهُ بَاقٍ فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ وَالِاضْطِرَارِ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ حَتَّى رُخِّصَ لَهُ الْإِتْلَافُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْأَكْلُ بِالْمَخْمَصَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ.

قَوْلُهُ (وَجُمْلَةُ الْفِقْهِ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَنَا لَا يُوجِبُ تَبْدِيلَ الْحُكْمِ بِحَالٍ أَيْ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ حُكْمِ السَّبَبِ وَإِبْطَالِهِ عَنْهُ مُلْجِئًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ بَلْ يَبْقَى حُكْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ طَائِعًا لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَتَمْيِيزٍ وَأَهْلِيَّةِ خِطَابٍ مِثْلُ صُدُورِهِ عَنْ الطَّائِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ قَدْ أَوْجَبَ تَبْدِيلَ الْحُكْمِ حَتَّى لَا يُحْكَمَ بِكُفْرِ الْمُكْرَهِ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَوْ صَدَرَ عَنْ الطَّائِعِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَبِالْبَيْنُونَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015