وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حِينَ قَالَ مَا أَرَى النَّارَ تُحِلُّ شَيْئًا أَلَيْسَ يَكُونُ خَمْرًا ثُمَّ يَصِيرُ خَلًّا فَنَأْكُلَهُ فَعَلَّلَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ وَهُوَ تَغَيُّرُ الطِّبَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا، وَهُوَ قَرِيبُ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِرِضَاهُ وَلِلرِّضَاءِ أَثَرٌ فِي سُقُوطِ الْعُدْوَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْفَرْعَيْنِ نَفْسِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْجِيحٌ فَاسْتَوَيَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَثَلُ الْجَدِّ مَعَ الْحَافِدِ كَمَثَلِ نَهْرَيْنِ يَنْشَعِبَانِ مِنْ وَادٍ ثُمَّ يَنْشَعِبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ جَدْوَلٌ وَمَثَلُ الْأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ نَهْرَيْنِ يَنْشَعِبَانِ مِنْ وَادٍ فَالْقُرْبُ بَيْنَ النَّهْرَيْنِ الْمُنْشَعِبَيْنِ مِنْ الْوَادِي أَكْثَرُ مِنْ الْقُرْبِ بَيْنَ الْوَادِي، وَالْجَدْوَلُ بِوَاسِطَةِ النَّهْرِ.
وَالشُّعُوبُ جَمْعُ شَعْبٍ، وَهُوَ مَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَكَأَنَّهُ مُسْتَعَارٌ هَاهُنَا لَمَّا تَشَعَّبَ مِنْ الْوَادِي، وَالْجَدْوَلُ النَّهْرُ الصَّغِيرُ وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيهِ أَيْ فِي تَرْجِيحِ الْجَدِّ بِقُرْبِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْقَرَابَةِ فَقَالَ، أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا اعْتَبَرَ أَحَدَ طَرَفَيْ الْقَرَابَةِ وَهُوَ طَرَفُ الْأَصَالَةِ بِالطَّرَفِ الْآخِرِ، وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ فِي الْقُرْبِ.
وَهَذِهِ أُمُورٌ مَعْقُولَةٌ بِآثَارِهَا أَيْ مَا ذَكَرُوا مِنْ التَّمْثِيلِ وَالِاحْتِجَاجِ بِأَحَدِ طَرَفَيْ الْقَرَابَةِ عَلَى الْآخَرِ تَعْلِيلَاتٌ بِأَوْصَافٍ مُؤَثِّرَةٍ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِالْقَرَابَةِ، وَالتَّمْثِيلُ بِفُرُوعِ الشَّجَرِ وَشُعُوبِ الْوَادِي لِبَيَانِ تَفَاوُتِ الْقُرْبِ بِطَرِيقٍ مَحْسُوسٍ إلَّا أَنَّ الْعَبَّاسَ رَجَّحَ الْجَدَّ؛ لِأَنَّ قُرْبَهُ مُنْشَعِبٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ كَقُرْبِ الْحَافِدِ إذْ الْحَافِدُ مُتَّصِلٌ بِالْبِنْتِ بِوَاسِطَةِ أَبِيهِ اتِّصَالَ جُزْئِيَّةٍ، وَالْجَدُّ مُتَّصِلٌ بِهِ بِوَاسِطَةِ ابْنِهِ اتِّصَالَ جُزْئِيَّةٍ أَيْضًا ثُمَّ الْحَافِدُ وَإِنْ سَفَلَ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ فَكَذَا الْجَدُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ مَعْنًى يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الْقَرَابَةِ وَالْقُرْبُ بِاعْتِبَارِ الْمُجَاوَرَةِ مَعْنًى يَرْجِعُ إلَى حَالِ الْقَرَابَةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْحَالِ قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِعُبَادَةَ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ اسْتَشَارَ النَّاسُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَرَابٍ يُرْزَقُهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى إنَّا نَصْنَعُ شَرَابًا فِي صَوْمِنَا فَقَالَ عُمَرُ ائْتِنِي بِشَيْءٍ مِنْهُ فَأَتَاهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَ مَا أَشْبَهَ هَذَا بِطِلَاءِ الْإِبِلِ كَيْفَ تَصْنَعُونَهُ قَالَ: نَطْبُخُ الْعَصِيرَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ فَصَبَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ مَاءً وَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهُوَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ عُبَادَةُ مَا أَرَى النَّارَ تُحِلُّ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا أَحْمَقُ أَلَيْسَ يَكُونُ خَمْرًا، ثُمَّ يَصِيرُ خَلًّا، ثُمَّ تَأْكُلُهُ.
وَفِي هَذَا دَلِيلُ إبَاحَةِ شُرْبِ الْمُثَلَّثِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَدًّا فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا اسْتَشَارَهُمْ فِي الْمُشْتَدِّ دُونَ الْحُلْوِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُمْرِئًا لِطَعَامٍ مُقَوِّيًا عَلَى الطَّاعَةِ فِي لَيَالِيِ الصِّيَامِ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى عُبَادَةَ فَقَالَ مَا أَرَى النَّارَ تُحِلُّ شَيْئًا يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَدَّ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ بِالنَّارِ حَرَامٌ فَبَعْدَ الطَّبْخِ كَذَلِكَ إذْ النَّارُ لَا تُحِلُّ الْحَرَامَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا أَحْمَقُ أَيْ يَا قَلِيلَ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ أَلَيْسَ يَكُونُ خَمْرًا، ثُمَّ يَكُونُ خَلًّا فَتَأْكُلُهُ يَعْنِي أَنَّ صِفَةَ الْخَمْرِيَّةِ بِالتَّخَلُّلِ تَزُولُ فَكَذَلِكَ صِفَةُ الْخَمْرِيَّةِ بِالطَّبْخِ إلَى أَنْ ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ تَزُولُ.
وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ النَّارَ لَا تُحِلُّ وَلَكِنْ بِالطَّبْخِ تَنْعَدِمُ صِفَةُ الْخَمْرِيَّةِ كَالذَّبْحِ فِي الشَّاةِ عَيْنُهُ لَا يَكُونُ مُحَلِّلًا، وَلَكِنَّهُ مُنْهِرٌ لِلدَّمِ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ يَكُونُ مُحَلِّلًا لِانْعِدَامِ مَا لِأَجْلِهِ كَانَ مُحَرَّمًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَعَلَّلَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ، وَهُوَ تَغَيُّرُ الطِّبَاعِ يَعْنِي الطَّبْخَ بِغَيْرِ طَبْعِهِ وَلِلتَّغَيُّرِ أَثَرٌ فِي تَبَدُّلِ الْحُكْمِ كَالْمَنِيِّ إذَا صَارَ حَيَوَانًا صَارَ طَاهِرًا وَكَذَا الْحِمَارُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا وَالسِّرْقِينُ إذَا صَارَ رَمَادًا قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا) إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ مَعَ آخَرَ قَرِيبَهُ بِشِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِشَرِيكِهِ فِي نَصِيبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَتَقَ مِنْ قِبَلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ