وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ رُجِمَتْ عَلَيْهِ وَالنِّكَاحُ أَمْرٌ حُمِدَتْ عَلَيْهِ وَهَذِهِ أَوْصَافٌ ظَاهِرَةُ الْآثَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِذَلِكَ أَثَّرَ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ الْمُبْتَذَلُ فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى الْحُجَّةِ الضَّرُورِيَّةِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَغَيْرُهُ مُبْتَذَلٌ فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ بِالْحُجَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِيَزْدَادَ خَطَرُهُ عَلَى مَا هُوَ مُبْتَذَلٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ بِالشِّرَاءِ صَارَ مُعْتِقًا لِنَصِيبِهِ فَإِنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ؛ وَلِهَذَا تُؤَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْمُعْتِقُ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَى قَرِيبُ الْعَبْدِ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا مِنْهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ الْآخَرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِرِضَاهُ أَيْ بِرِضَا الشَّرِيكِ فَلَا يَضْمَنُ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ لِلرِّضَاءِ أَثَرًا فِي سُقُوطِ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ.

وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ يَجِبُ بِالْإِفْسَادِ، أَوْ الْإِتْلَافِ لِمِلْكِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ وَاجِبًا بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَرِضَاهُ بِالسَّبَبِ يُغْنِي عَنْ الْحَاجَةِ إلَى الْجُبْرَانِ؛ لِأَنَّ

الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ

عَنْهُ وَقَدْ انْدَفَعَ ذَلِكَ حُكْمًا حِينَ رَضِيَ بِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ نَصًّا أَنْ يُعْتِقَهُ، وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ وَإِثْبَاتُ الرِّضَاءِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا سَاعَدَ شَرِيكَهُ عَلَى الْقَبُولِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ قَبُولَ شَرِيكِهِ مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ صَارَ رَاضِيًا بِعِتْقِهِ عَلَى شَرِيكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْذَنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فِي أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَيْنِ صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قِيلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ وَلَمْ يَمْلِكْ نَصِيبَهُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاضٍ بِالتَّمَلُّكِ فِي نَصِيبِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّمَلُّكِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ أَيْضًا لَمَّا سَاعَدَهُ عَلَى الْقَبُولِ بَلْ يَصِيرُ مُشَارِكًا لَهُ فِي السَّبَبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي السَّبَبِ فَوْقَ الرِّضَاءِ بِهِ إلَّا أَنَّ بِهَذَا السَّبَبِ يَتِمُّ عِلَّةُ الْعِتْقِ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ، وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَا يَتِمُّ بِهِ عِلَّةُ الْعِتْقِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ الْقَرِيبُ مُعْتِقًا دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنْ بِمُعَاوَنَتِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي تَضْمِينِهِ لَمَّا عَاوَنَهُ عَلَى السَّبَبِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَّضِحُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الشِّرَاءِ، وَلِهَذَا عَيَّنَ فِي الْكِتَابِ الشِّرَاءَ فَقَالَ فِي اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَكَلَامُهُمَا أَوْضَحُ؛ لِأَنَّهُ قَبُولُ أَحَدِهِمَا فِي نَصِيبِهِ صَحِيحٌ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ أَيْضًا لَكِنْ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ قَبُولُ الشَّخْصِ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ صَحِيحٌ ثُمَّ لَا فَصْلَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَعَهُ قَرِيبُ الْعَبْدِ، أَوْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ.

وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَاءِ يَتَحَقَّقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَهُوَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُهُ فَأَكَلَهُ الْمُخَاطَبُ فَلَيْسَ لِلْآذِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ، وَهُوَ لَا يَعْلَمْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ رِضَاهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ وَقَبُولُهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ شَرِيكَهُ مُعْتِقٌ وَبِدُونِ تَمَامِ الْقَبُولِ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي نَصِيبِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ إيدَاعِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمُودِعُ سَلَّطَهُ أَيْ الصَّبِيُّ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ أَيْ اسْتِهْلَاكِ الشَّيْءِ الْمُودَعِ.

وَهَذَا إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَكَّنَهُ مِنْ الْمَالِ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ حِسًّا وَالتَّسْلِيطُ يُخْرِجُ فِعْلَ الْمُسَلِّطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْمُسَلِّطِ بَلْ يَكُونُ رِضًا بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَالرِّضَاءُ بِالِاسْتِهْلَاكِ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسَلِّطِ لِلْمُسَلَّطِ، ثُمَّ إنَّهُ بِقَوْلِهِ احْفَظْ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ التَّسْلِيطَ مَقْصُورًا عَلَى الْحِفْظِ بِطَرِيقِ الْعَقْدِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْبَالِغِ صَحِيحٌ وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لَا يَصِحُّ فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَخَصَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015