وَمِثْلُ «قَوْلِهِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ بِمَاءٍ فَمَجَجْتَهُ أَكَانَ يَضُرُّكَ» تَعْلِيلٌ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ نَقِيضُ الصَّوْمِ وَالصَّوْمَ كَفٌّ عَنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَلَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ قَضَاؤُهَا لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ «وَقَالَ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ بِمَاءٍ، ثُمَّ مَجَجْته أَكُنْت شَارِبَهُ» فَعَلَّلَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ، وَهُوَ أَنَّ الصَّدَقَةَ مَطْهَرَةٌ لِلْأَوْزَارِ فَكَانَتْ وَسَخًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِّ فَضَرَبُوا بِالْأَمْثَالِ مِثْلَ فُرُوعِ الشَّجَرِ وَشُعُوبِ الْوَادِي وَالْأَنْهَارِ وَالْجَدَاوِلِ وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيهِ بِقُرْبِ أَحَدِ طَرْفَيْ الْقَرَابَةِ وَهَذِهِ أُمُورٌ مَعْقُولَةٌ بِآثَارِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ وَتَعْلِيلٌ لَهَا بِأَوْصَافٍ مُؤَثِّرَةٍ: أَحَدُهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي وُجُوبُ التَّوَضُّؤِ.

وَالثَّالِثُ الِاكْتِفَاءُ بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ إنَّمَا أَوْجَبَ سُقُوطَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا عَادَةٌ رَاتِبَةٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ لَا يُمْكِنُهُنَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِنَّ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَمَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَسَقَطَتْ الصَّلَاةُ عَنْهُنَّ بِتِلْكَ الدَّمِ فَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَدَمُ عِرْقٍ يُوجَدُ بِعَارِضِ عِلَّةِ لَا يَكُونُ عَادَةً رَاتِبَةً فِيهِنَّ فَإِيجَابُ الصَّلَاةِ مَعَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَلَمْ يَصِرْ عُذْرًا فِي سُقُوطِ الصَّلَاةِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ لِوُجُوبِ التَّوَضُّؤِ بِانْفِجَارِ الدَّمِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ لِأَنَّ انْفِجَارَ الدَّمِ مُؤَثِّرٌ فِي إثْبَاتِ النَّجَاسَةِ إذْ الدَّمُ بِالِانْفِجَارِ يَصِلُ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْهُ وَلِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الطَّهَارَةِ إذْ الْعَبْدُ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَالثَّالِثُ قَالَ تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَأَشَارَ إلَى وَصْفٍ مُؤَثِّرٍ فَقَالَ إنَّهَا دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ وَالِانْفِجَارُ عِبَارَةٌ عَنْ السَّيَلَانِ الدَّائِمِ وَمَعَ السَّيَلَانِ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ لِكُلِّ حَدَثٍ لَبَقِيَتْ مَشْغُولَةً بِالطَّهَارَةِ أَبَدًا لَا تَجِدُ فَرَاغًا عَنْهَا فَلَا يُمْكِنُهَا إذًا الصَّلَاةُ فَأَوْجَبَ التَّوَضُّؤَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيُمْكِنَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَأَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْحَدَثِ بَعْدَهُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ لِلْعَجْزِ تَأْثِيرٌ فِي إسْقَاطِ النَّجَاسَةِ لِمَا قُلْنَا قَوْلُهُ (وَمِثْلُ قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ وَكَلِمَةُ فَقَالَ وَقَعَتْ زَائِدَةً لَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ تَعْلِيلٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذَا تَعْلِيلٌ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ نَقِيضُ الصَّوْمِ أَيْ ضِدُّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى النَّاقِضِ أَيْ الْفِطْرُ هُوَ النَّاقِضُ لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي رُكْنَهُ، وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ اقْتِضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ لَا صُورَةً لِعَدَمِ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ.

وَلَا مَعْنًى لِعَدَمِ الْإِنْزَالِ مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَضَاءُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ لَا صُورَةً لِعَدَمِ وُصُولِ شَيْءٍ إلَى الْبَاطِنِ وَلَا مَعْنًى لِعَدَمِ حُصُولِ صَلَاحِ الْبَدَنِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَدِّمَةٌ لِقَضَاءِ شَهْوَةٍ فَكَمَا أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ لِعَدَمِ مَعْنَى الْفِطْرِ فِيهَا فَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ فَعَلَّلَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ، وَهُوَ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُطَهِّرَةٌ لِلْأَوْزَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] وَالْوِزْرُ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ.

وَالْمُرَادُ الْإِثْمُ هَاهُنَا فَكَانَتْ وَسَخًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَكَمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَخْذٌ بِمَعَالِي الْأُمُورِ وَكَذَلِكَ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ تَعْظِيمٌ وَإِكْرَامٌ لَهُمْ لِيَكُونَ لَهُمْ خُصُوصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ. فَهَذَا بَيَانُ تَعْلِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَوْصَافٍ مُؤَثِّرَةٍ.

1 -

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَعْلِيلِ الصَّحَابَةِ بِهَا فَقَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ فِي الْجَدِّ يَعْنِي مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْمِيرَاثِ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى تَفْضِيلِ الْجَدِّ عَلَى الْإِخْوَةِ وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ فَضَرَبُوا فِيهِ أَيْ فِي الْجَدِّ، أَوْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِأَمْثَالٍ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا مَثَلُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مَثَلُ شَجَرٍ أَنْبَتَ غُصْنًا ثُمَّ تَفَرَّعَ مِنْ الْغُصْنِ فَرْعَانِ فَالْقُرْبُ بَيْنَ الْغُصْنَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْقُرْبِ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَالْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْغُصْنَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَالْأَصْلُ وَاسِطَةٌ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ فَهَذَا يَقْتَضِي رُجْحَانَ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَالْأَصْلِ جُزْئِيَّةً وَبَعْضِيَّةً لَيْسَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015