هذا هو الذي ((نجده من طباعنا. ومن كابر في ذلك كان خارجًا عن حكم طباعنا وعادتنا. وما صدر هذا الكلام إلا عن استعظام الطعام، وما هذه سجية الكرام؛ وما هتكت أستار القوم وكشفت عن شحهم في أنفسهم بأوضح من هذا. وكل خلة ذكرها هذا المنشد وأمثاله، لو لم يكن لها وقع في نفسه ومكابدة لطبعه الشحيح، لما ذكرها. وما هي والله عندي إلا كالنياحة على ميت ذكر في نياحته النائح عليه علته ومرضه وآلامه وأدويته التي سقيها، وكيف جاء ملك الموت قبض روحه، وكيف استهال الجيرة والأهل صبره على فقدان ميته، واستهالوا قلة جزعه.
وأحسن كشف لأحوالهم، التي هي وراء كلامهم، قول الباري لهم، مع تمدحهم بالضيافة، وتعظيمهم للمسرة بالصبيان، وبذلهم للطعام مع السغب والقحط، وعقرهم لمراكبهم التي لا غناء بهم عنها، وبدارهم إلى ذلك، فقال لهم مع هذا كله: الذي أدركته منكم من جناياكم المكتومة المستورة بحسن عملكم، أريدكم أن لا تعتمدوا قتل الأولاد خشية الإملاق، {نحن نرزقكم وإياهم}، {نحن نرزقهم وإياكم}. وقال لهم؟ ؟ ؟ ؟ وأن لا تقتل ولدك، خشية أن يأكل معك. فهتك الله بهذا أستارهم، ألا يعلم من خلق، فطاح التمدح بالكرم مع هذا من الله المطلع على جنات القلوب وما تجنه الصدور. وبان عيب الكلام بما ظهر