وانحطاطه عن الولايات، أقيم الحد بحكم أنه محنة، مع كون الحد يسقط بالشبهة، ولا يستوفى مع أقل شبهة عارضة؛ كهبة النصاب في السرقة.
أجاب الحنفي فقال: أما الانعقاد فحاصل، لكن لا لإيجاب الكفارة. حتى إنه لو حلف كافرًا وحنث مسلمًا، لم يجب كفارة اليمين التي عقدها حال كفره بمخالفته لها حال إسلامه. وأما الحد، فإنه وجب لله - سبحانه وتعالى- لمعالجة إقامته في هذه الدار سياسةً وصرفًا عن المفاسد، لا على طريق الجزاء الذي يستحقه في مقابلة الحربة. لأن هذه دار تكليف لا يشوبها جزاء. والجزاء للآخرة التي [هي] دار جزاء لا يشوبها تكليف. وذلك لأن الله - سبحانه وتعالى- لا يخاف الفوت فيعجل الجزاء في دار تكليفه. وإنما عجل الحدود للصرف، وحفظ الكل عن إفساد الأنساب والفرش. والذي يشهد لذلك أنه عرضها للإسقاط بالشبهة، وجعل وعيده مؤجلًا إلى دار الآخرة. فإذا تاب المجرم من جريمته، بقي استيفاء الحد زجرًا لعين المحدود، محنة للمحدود. والزجر يحصل بإقامته مع التوبة أكثر.
أجاب الحنبلي عن هذا، فقال: أما الحدود فجزاء معجل؛ ودار الدنيا صالحة لاستيفاء بعض حق الله - سبحانه وتعالى- من العقوبة. فإنه تواعد ووعد. فإذا أذاقنا طائلًا من العذاب كان أبلغ، وطائلًا من النعيم بتمليك الغنائم والمنافع، ونفر بالخسف والمسخ والاستئصال بأنواع [العذاب]، وتواعد هذه