298 - كنا في بعض الخلوات نتذاكر شرف الآدمي وسرعة هلاكه وفساده بعد كونه. فقال بعض من حضر: أليس حجر لا يحس ولا يدري بالوجود وبالموجود يبقى عشرة آلاف سنة حجرا، وهذا الحيوان الشريف يبقى سنوات ويتحلل؟
فقال له إنسان ينتحل علم الأوائل ويعجبه البحث عن الحقائق، وهو متدين، جيد الاعتقاد في الشرائع: يا هذا! || ذاك السريع الفساد هو الدائم البقاء بعينه. والذي عجبت من سرعة تحلله هو الذي عجبت من طول مكثه.
فعجب الرجل من كلامه. فاستقل عقله حيث لاح من كلامه أن الإنسان هو الحجر. فبان للقائل تعجب السامع. فأخذ يبين عن حقيقة ما قال ويبرهن دعواه، فقال: إن الماء القاطر من الجو مطرا ونداء، هو المتصاعد بخارا. وإن الخمر المشتهى المسكر هو الخل الحامض، والجميع عصير العنب. فالأعيان كذلك؛ تارة بالاستحالة شيء، وبالأفراد شيء. فالعصير بما هو مشتد، خمر؛ وبما هو حامض، خل؛ وبما هو مستحيل غذاء للمتغذي به وشرابا، لحم ودم. والأثقال بما هي أثقال، رجيع؛ وبما هي مطعومة الزروع والثمار. ثمار. والطين بالنشافة والطبخ، فخار؛ وباستحالة الدهر وتكرر طلوع الشمس، أحجار. فكذلك جسد الآدمي بمرور الأيام،