وما لم تجده من غيرك، فلا تتشاغل بالتعجب من عدمه حتى تجده من نفسك. فإن لم تجد خلفا تحمده في غيرك، ووجدت نفسك تتطلبه، فاكتسبه لنفسك. فما أحسن أن تكون الفضائل لك! فإن عجزت نفسك عن تحصيل ذلك، فكن عاذرا لمن عدمتها فيه ومنه. لأنك تجده قد أجهد نفسه في طلبها، فعجز كعجزك. واعلم أن المطالب أقل من الطلب. ففي نفوس العقلاء أمور تعتلج واقتضاءات تختلج، لا يقفون منها على طائل، ولا يجدون إليها مع توفر حيلهم وجودة آرائهم سبيلا. فكن أسوتهم، وتسل بهم. فما منهم إلا من رام الحياة الدائمة فما حظي، ورام دوام الوصلة بأحبابه فما ملي، وأحب استقامة الأحوال والصحة والاعتدال فما أعطي؛ فكن واحدا منهم أو كن جانبا عنهم. وقال بعض المشايخ: أرفق، يا هذا، فالاستقصاء فرقة.
297 - تذاكرنا في رائحة اللفاح والبطيخ الشمام، فوجدنا أن رائحة اللفاح أطيب، فقلنا: هل هذا الأمر يعود إلى اللفاح في نفسه؟ فقال قائل: لا، بل لأنه في البطيخ شهوتين، شهوة غذائية وشهوة الشم؛ وهما يتجاذبان؛ وشهوة الغذاء أقواهما، لأن النفس للغذاء أطيب منها لشم الريح. ففي الشهوتين تجاذب تنقض إحداهما بالأخرى. وليس كذلك اللفاح؛ لأن هناك شهوة واحدة؛ فتوفر درك الحس فيها، فوجدت متوفرة.