وقال عديُّ بن الرِّقاع، يذكر حماراً:
فأوردها لمَّا انجلى الليلُ أودنا ... فضاً كنَّ للجونِ الحوائمِ مشربا
قوله: أودنا فاعله لا يخلو من أحد شيئين: إمَّا أن يكون: دنا الانجلاءُ، فأضمر الانجلاءَ، لتقدُّمِ دلالةِ الفعلِ عليه، مثل قوله عزَّ وجلَّ: (فلمَّا جاءهمْ نذيرٌ ما زادهمْ إلاَّ نفوراً)، أي ما زادهم مجيئه، أو يكون أضمر النَّهارَ، لدلالة الليل عليه، كما أضمر الآخرُ الرَّعدَ، لدلالة البرقِ عليه، في قوله:
فبتُّ إخاله دهماً خلاجا
والقولُ الأولُ الوجه، أي: لمَّا انجلى الليلُ، أودنا الانجلاءُ، أي لمَّا أسفر، أو دنا الإسفارُ.
ولو حملته على الوجهِ الثاني، لكان المعنى: فلما دنا النَّهارُ، أو دنا النهارُ، فخيَّرتَ بين شيئين، أحدهما هو الآخر، فليس ذلك بمتَّجه.
ولو جعلتَ أو كالتي في قول الشاعر:
وكان سيَّانِ أن لا يسرحوا نعماً ... أو يسرحوه بها واغبرَّت السُّوحُ
وجعلت فاعلَ دنا النَّهارَ، كان أمثلَ شيئاً، لأنك قد تقول: قعدتُ أو جلستُ أنتظره، ولو قلت: قعدتُ أو قعدتُ، لم يجز ذلك.