قال ابن إسحاق: فلما بيّن له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صُدِق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبّر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقًا فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم، فقالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم؟ قال: نعم، قال: وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعًا. قالوا: نِعْمَ ما أمرت به. فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا. ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لَعَجْزٌ فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عَذْب فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلمَّ إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قد والله قُضِي لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبدًا. إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم