شفاؤه؟ قال: تنزح البئر وترفع الصخرة وتستخرج الطلعة، وارتفع الملكان. فبعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وعمار رضي الله عنهما فأمرهما أن يأتيا الركي فيفعلا الذي سمع فأتياها وماؤها كأن قد خضب بالحناء فنزحاها ثم رفعا الصخرة فأخرجا طلعة فإذا فيها إحدى عشرة عُقْدة ونزلت هاتان السورتان: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما قرأ آية انحلت عُقدة حتى انحلت العقد وانتشر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء والطعام والشراب، وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد فلبعضه شاهد مما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها.
وليعلم أن السحر الذي أصيب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومرض منه ستة أشهر إنما كان تأثيره في جسده لا في قلبه وعقله فإن الله حمى قلبه وعقله وصانهما من وصول السحر إليهما، وما كان الله ليسلط السحرة والشياطين على قلب رسوله ومقر وحيه وتنزيله، هذا لا يكون أبدًا. وأما بدنه فإنه عرضة للأقسام والآلام كسائر البشر، وذلك لا يحط من قدره، بل يزيده أجرًا وثوابًا في الدار الآخرة. قال القاضي عياض في كتابه "الشفا": السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته. وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله فليس في هذا ما يُدْخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طُروّه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فضّل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان – إلى أن قال -: إن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه لا على قلبه واعتقاده وعقله وأنه إنما أثر في بصره وحبسه عن وطء نسائه وطعامه وأضعف جسمه وأمرضه، ويكون معنى قوله يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة على النساء فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يقدر على إتيانهن كما يعتري من أُخذ واعترض. وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يُدخل لَبْسًا ولا يجد به الملحد المعترض أُنْسًا. انتهى.