ولا من تشبيهات الشيطان، ويؤيد قوله رواية: «فقد رأى الحق» أي الرؤية الصحيحة، قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن رآه أبيض اللحية وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل منهما في مكانه.
ثم ذكر النووي عن القاضي أنه قال: يحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فقد رآني» أو: «فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي» المراد به إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة.
قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها.
وقد تعقب الحافظ ابن حجر كلام النووي فقال: لم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك، بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالين. لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير، والثانية مما يحتاج إلى التعبير.
ثم ذكر ابن حجر عن القرطبي أنه قال: من المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقًا، ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله: «فإن الشيطان لا يتمثل بي»؛ فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب إليه عن ذلك فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته. قال: والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثًا، بل هي حق في نفسها ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قِبَل الله. قال: وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره. ويؤيده قوله: «فقد رأى الحق» أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي وإما لينزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه. انتهى باختصار.
وذكر النووي عن القاضي أنه قال: قال بعض العلماء: خص الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم