فصل
في ذكر أقوال العلماء في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "عارضة الأحوذي" حديث رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، قد قيل: إن الرؤيا لا حقيقة لها وهم القدرية، تعسًا لهم. وغلا صالح فيه فقال: كل الرؤيا والرؤية بعين الرأس حقيقة، وهذا حماق، وقيل: مدركة بعينين في قلبه، وهذه عبارة مجازية. قال: والصحيح عندي أنها إدراك. فأما رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن رآه في المنام بصفة معلومة فهو إدراك الحقيقة، وإن رآه على غير صفته فهو إدراك المثال، وقد جاء الحديث على أربعة ألفاظ صحاح:
الأول: «من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي».
الثاني: قوله: «من رآني فقد رأى الحق».
الثالث: «فسيراني في اليقظة».
الرابع: «فكأنما رآني في اليقظة».
فأما قوله: «من رآني فقد رآني» فقد بيناه في وجه إدراكه. وأما قوله: «فقد رأى الحق» فتفسيره قوله: «إن الشيطان لا يتمثل بي»، وأما قوله: «فسيراني في اليقظة» فيحتمل أن يكون معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقاه إليه الملك، وقيل معناه: فسيراني في القيامة، وهذا لا معنى له ولا فائدة في هذا التخصيص، وأما قوله: «فكأنما رآني» فتشبيه ووجهه أنه لو رآه في اليقظة لرآه حقًا فكذلك هذا يكون حقًا وكان الأول حقًا وحقيقة ويكون الثاني حقًا تمثيلاً ومجازًا، فإن قيل: فإن رآه على خلاف صفة ما هو، قلنا: هي أمثال. فإن رآه حسن الهيئة حسن الأقوال والأفعال مقبلاً على الرائي كان خيرًا له وفيه. وإن رأى خلاف ذلك كان شرًا له وفيه لا يلحق النبي من ذلك شيء. انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم": اختلف العلماء في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فقد رآني»، فقال ابن الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث