كتاب الرؤيا (صفحة 160)

قدرًا وشرعًا ويقظة ومنامًا ودل عباده على الاعتبار بذلك وعبورهم من الشيء إلى نظيره واستدلالهم بالنظير على النظير، بل هذا أصل عبارة الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة ونوع من أنواع الوحي فإنها مبنية على القياس والتمثيل واعتبار المعقول بالمحسوس. ألا ترى أن الثياب في التأويل تدل على الدين فما كان فيها من طول أو قصر أو نظافة أو دنس فهو في الدين كما أوّل النبي - صلى الله عليه وسلم - القميص بالدين والعلم. والقدر المشترك بينهما أن كلاً منهما يستر صاحبه ويجمّله بين الناس، فالقميص يستر بدنه، والعلم والدين يستر روحه وقلبه ويجمّله بين الناس، ومن هذا تأويل اللبن بالفطرة لما في كل منهما من التغذية الموجبة للحياة وكمال النشأة وأن الطفل إذا خُلّي وفطرته لم يعدل عن اللبن فهو مفطور على إيثاره على ما سواه، وكذلك فطرة الإسلام التي فطر الله عليها الناس. ومن هذا تأويل البقر بأهل الدين والخير الذين بهم عمارة الأرض كما أن البقر كذلك مع عدم شرها وكثرة خيرها وحاجة الأرض وأهلها إليها، ولهذا لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقرًا تنحر كان ذلك نحرًا في أصحابه، ومن ذلك تأويل الزرع والحرث بالعمل لأن العامل زارع للخير والشر، ولا بد أن يخرج له ما بذره كما يخرج للباذر زرع ما بذره، فالدنيا مزرعة والأعمال البذر، ويوم القيامة يوم طلوع الزرع وحصاده. ومن ذلك تأويل الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين، والجامع بينهما أن المنافق لا روح فيه ولا ظل ولا ثمر، فهو بمنزلة الخشب الذي هو كذلك، ولهذا شبه الله تعالى المنافقين بالخشب المسندة لأنهم أجسام خالية عن الإيمان والخير. وفي كونها مسندة نكتة أخرى، وهي أن الخشب إذا انتفع به جعل في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع. وما دام متروكًا فارغًا غير منتفع به جعل مسندًا بعضه إلى بعض، فشبه المنافقين بالخشب في الحالة التي لا ينتفع فيها بها. ومن ذلك تأويل النار بالفتنة لإفساد كل منهما ما يمر عليه ويتصل به، فهذه تحرق الأثاث والمتاع والأبدان، وهذه تحرق القلوب والأديان والإيمان. ومن ذلك تأويل النجوم بالعلماء والأشراف لحصول هداية أهل الأرض بكل منهما، ولارتفاع الأشراف بين الناس كارتفاع النجوم. ومن ذلك تأويل الغيث بالرحمة والعلم والقرآن والحكمة وصلاح حال الناس. ومن ذلك خروج الدم في التأويل يدل

على خروج المال، والقدر المشترك أن قوام البدن بكل واحد منهما. ومن ذلك الحدث في التأويل يدل على الحدث في الدين، فالحدث الأصغر ذنب صغير، والأكبر ذنب كبير. ومن ذلك أن اليهودية والنصرانية في التأويل بدعة في الدين، فاليهودية تدل على فساد القصد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015