ولم يخلف هذا الإمام الجليل من الدنيا سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار كفنه وأداء دينه، رحمه الله تعالى وجزاه عن العلم خيراً.
فانظر أيها القارئ الكريم - رعاك الله وإياي - كيف يثمر إعمال الخاطر، وحفظ الوقت، ودأب النفس في الخير والعلم، إنه ليثمر ثمرات لا تكاد تصدق وإنها لصدق، يثمر (ثماني مئة مجلدة): أكبر كتاب في الدنيا، يؤلفه فرد واحد من الناس أبو الوفاء ابن عقيل، إلى جانب تآليف كثيرة غيره، ألفها، تبلغ نحو العشرين مؤلفا، وبعضها في عشر مجلدات.
وما أصدق وأجما ما قاله الإمام بهاء الدين ابن النحاس الحلبي النحوي (محمد بن إبراهيم)، المتوفي سنة 698 رحمه الله تعالى، إذ يشير بقوله الآتي إلى أن ضم القليل إلى القليل مع الدوام عليه، يتكون منه الكثير الهائل العجيب، كما حصل لأبي الوفاء ابن عقيل (ثماني مئة مجلدة)، يقول بهاء الدين ابن النحاس الحلبي كما في ترجمته في ((بغية الوعاة)) للسيوطي (?):
اليوم شيء وغدا مثله ... من نخب العلم التي تلتقط
يحصل المرء بها حكمة ... وإنما السيل اجتماع النقط
ابن الجوزي أربت تآليفه على 500 مؤلف بحفظ الوقت وأما الإمام أبو الفرج ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي الحنبلي البغدادي)، فقد ولد سنة 508، وتوفي سنة 597، وعاش تسعا وثمانين سنة، وألف تآليف أربت على خمس مئة كتاب.