ومنعه من دخول الدار حتى يحدثه بالحديث من حفظه، لشدة حرصه على سماع الحديث، خشية أن يفوته سماعه بعارض يعرض أو مانع يمنع.
وقال له: أمله علي الآن من حفظك، فإني أخاف أن لا ألقاك، فإن الحياة لها قواطعها، فأخاف أن يحال بيني وبينك فلا ألقاك، فأملى محمد بن الفضل: الحديث على يحيى بن معين من حفظه أولاً، ثم دخل داره فجاء بالكتاب فقرأه عليه منه ثانياً.
وهذه الواقعة تسجل لنا ما كان عليه الإمام يحيى بن معين، من شدة الحرص على كسب الوقت، وعظيم الحفاظ على تحصيل العلم، ومتانة التوثق فيه، وقوة المسارعة والاستباق إلى الاستفادة، وما كان عليه من الابتعاد عن الأمل والتمهل في تقييد العلم والفوائد، وخوف المباغتة من قواطع الحياة (?).
وبهذه الواقعة الصغيرة التي جاء تسجيلها عرضا، عرفنا ما كان عليه الإمام يحيى بن معين من حفظ الوقت وكسب الزمن، وأدركنا كيف تسنى ليحيى بن معين أن يكتب بيده ألف ألف حديث، ويطوف البلدان، ويسمع من الشيوخ، ويحدث بما سمعه وتلقاه ألوف المحدثين والطالبين.
وليس الإمام يحيى بن معين في هذه المنقبة نسيج وحده وفريد