يلهي، وخلا القلب فيه مما يقرعه (1) فيشغله، أو يغلب عليه فيمنعه. وليس بالمحمود أ، يتحفظ الرجل بحضرة النبات والخضرة، ولا على شطوط الأنهار، ولا على قوارع الطرق، فليس يعدم في هذه المواضع غالبا ما يمنع من خلو القلب وصفاء السر)). انتهى كلام الخطيب.
قلت: وعلى غير هذا التوجيه في الأماكن كان أبو نصر الفارابي (2). فقد حكى القاضي ابن خلكان في ترجمته في ((وفيات الأعيان)) (?)، قال: ((كان منفردا بنفسه، لا يجالس أحدا من الناس، وكان مدة مقامه بدمشق لا يكون غالبا إلا عند مجتمع ماء، أو مشتبك رياض، ويؤلف هناك كتبه، ويتناوبه المشتغلون عليه)). انتهى.
وإنما استحبوا لطلبة العلم: الخلوة والبعد عن الناس والضوضاء، لأن الخلوة تعين على صفاء الفكر، وإذا صفا الفكر صح النظر والفهم في طلب المعلومات، وهم يطلبون العلم من ميزان العقل، وهذا الميزان في غاية اللطافة، يتأثر بأدنى هوى أو شاغل، فيخرج عن الاستقامة، فلذا راعوا في تحصيل دقيق العلم والمسائل وصعابها: الزمان والمكان، ليتم لهم الفهم، ويستقيم منهم التصور والحكم.
قال الإمام المحدث الفقيه الأديب أبو سليمان حمد بن محمد