وتلقاه وأنزله في منزله، وقدم علينا بأربعة أسفاط مملوءة من الكتب
المسموعات، ففرح أبي بذلك فرحا شديدا، وشكر الله سبحانه على ما يسره له من وصول مسموعاته إليه، من غير تعب، وكفاه مؤونة السفر، وأقبل على تلك الكتب فنسخ واستنسخ، حتى أتى على مقصودة منها، وكان كلما حصل على جزء منها، كأنه حصل على ملك الدنيا، رحمه الله تعالى ورضي عنه)).انتهى.
هذه لمعات من سيرة هذا الإمام الفذ: الحافظ ابن عساكر الدمشقي، وفيها ما رأيت من العجائب الغرائب، والمدهشات المطربات. ولولا محافظته على الأوقات، واغتنامه الدقائق واللحظات، ما كانت تتأتى له تلك التآليف الضخمة الجامعة الماتعة، التي تعجز المجامع العلمية اليوم عن طبعها فضلا عن تأليف مثلها. فالحفاظ الحفاظ على الأوقات واللحظات، فهي كنز البركات والخيرات.
* * *
ومما يحسن لفت النظر إليه في شأن الزمن: أن العمل العلمي ينزل منزلته من الوقت الملائم له، فمن الأعمال العلمية ما يصلح له كل وقت وذهن، لخفته ويسر القيام به، مثل النسخ والمطالعة الخفيفة والقراءة العابرة ونحوها، مما لا يحتاج إلى ذهن صاف ويقظة تامة وتفكير دقيق عميق.
ومن الأعمال العلمية ما لا يكتمل حصوله على وجهه الأتم، إلا في الوقات التي تصفو فيها الأذهان، وتنشط فيها القرائح والأفهام، وتكثر