جوفه يعني الرغيف من حله، وقال يوسف بن أسباط لشعيب بن حرب: أشعرت أنّ الصلاة جماعة سنّة وأن كسب الحلال فريضة؟ قال: نعم، وسأل رجل إبراهيم بن أدهم قال: أنا رجل أتكسب في السوق، فإذا عملت فاتتني الصلاة في جماعة فأيما أحبّ إليك أصلّي في جماعة أو أكتسب فقال: اكتسب من حلال وأنت في جماعة، وقد كان إبراهيم بن أدهم يعمل هو وإخوانه في الحصاد في شهر رمضان، فكان يقول لهم: انصحوا في عملكم بالنهار حتى تأكلوا حلالاً ولا تصلّوا بالليل، وإنّ لكم ثواب الصلاة في جماعة وأجر المصلّين بالليل، وقال بعض السلف: أفضل الأشياء ثلاث؛ عمل في سنة ودرهم حلال وصلاة في جماعة.
وكان سهل رحمه الله يقول: لا يبلغ العبد حقيقة من هذا الأمر حتى يؤدي هذه الأربع؛ أداء الفرائض بالسنّة وأكل الحلال بالورع واجتناب النهي في الظاهر والباطن والصبر على ذلك إلى الممات، وقال: مَنْ لم يكن مطعمه من حلال لم يكشف الحجاب عن قلبه ولم ترفع العقوبة عن قلبه ولم يبالِ بصلاته وصيامه إلاّ أنْ يعفو الله عزّ وجلّ عنه، وقال: من اختار أن يرى خوف الله في قلبه ويكاشف بآيات الصدّيقين، لا يأكل إلاّ حلالاً ولا يعمل إلاّ في سنة أو ضرورة، وكان يقول: إنما حرموا مشاهدة الملكوت، وحجبوا عن الوصول بشيئين سوء الطعمة وأذى الخلق، وكان يقول: بعد سنة ثلاثمائة لا تصح لأحد توبة، قيل: ولِمَ قال: يفسد الخبز وهم لا يصبرون عنه، وقد روى مرة الطيّب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جسم غذي بحرام لا يدخل الجنة، النار أولى به، وفي الخبر: أنه أكل من كسب غلامه ثم سأله عنه فقال: رقيت لقوم فأعطوني، وفي لفظ آخر: تكهنت لهم فأدخل يده في فيه وجعل يقيء حتى استقاءَه عن آخر لقمة ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الإمعاء.
وقد روي أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك فقال: أو ما علمتم أنّ الصديق لا يدخل جوفه إلاّ طيّباً؟ وفي الخبر: أنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يجعله الله مستجاب الدعوة فقال: يا سعد، أطب طعمتك تستجب دعوتك، وقال العلماء: الدعاء محجوب عن السماء بفساد الطعمة، ويقال: إنه الله لا يستجيب دعاء عبد حتى يصلح طعمته ويرضى عمله، وقال جماعة من السلف: الجهاد عشرة أجزاء؛ تسعة في طلب الحلال،