للأكل مثل طلب العلم للجاهل، والفرائض إذا شرعت ثبتت إلى يوم القيامة، فإذا أمر بطلبها دلّ على وجودها لأنه لا يؤمر بطلب مفترض علينا يكون معدوماً، فالحلال موجود من حيث افترض علينا وأمرنا بطلبه، ولكن طريقه ضيق ووجوهه غامضة والتسبب إليه فيه مشقة، والحاصل منه فيه خشونة وقلة، ومع ذلك فإنّ المعاون عليه قليل والطالب غريب وهذه أسباب تكرهها النفوس، وعسى أن تكرهو شيئاً وهو خير لكم، ثم إنّ الفرائض لها علوم وأحكام؛ فمن لم يعرف علومها ولم يقم بأحكامها فكأنه لم يعلمها، وكان عمر رضي الله عنه يضرب أهل السوق بالدرة ويقول: لا يتّجر في سوقنا إلاّ من تفقّه وإلاّ أكل الربا: وكان بعض العلماء يقول: تفقّه ثم ادخل السوق فبعْ واشترِ، وتأول معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طلب العلم فريضة على كل مسلم قال: هو طلب علم الحلال والحرام والبيع والشراء، إذا أراد الإنسان أن يدخل فيه افترض عليه علمه، ففي الخبر: من سعى على عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ، ومن طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء، ويقال: إنّ أول لقمة يأكلها العبد من حلال يغفر له ما سلف من ذنوبه، ومن أقام نفسه في مقام ذل في طلب الحلال، تساقطت عنه ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وكان بعض العلماء يقول لبعض المجاهدين: أين أنت من عمل الأبطال: كسب الحلال والنفقة على العيال؟ وقد كان شعيب بن حرب، وغيره يقول: لا تحقر دانقاً من حلال تكسبه تنفقه على نفسك وعيالك أو أخ من إخوانك، فلعله لا يصل إلى جوفك أو لا يصل إلى غيرك حتى يغفر لك، وفي الخبر: من أكل الحلال أربعين يوماً نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه، وفي بعض الروايات زهده الله في الدنيا ويقال: من أكل حلالاً وعمل في سنة فهو من أبدال هذه الأمة.
وقد كان سهل يقول: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يأكل الحلال بالورع.
وروينا عن إبراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض رضي الله عنهما: لم ينبل من نبل بالحج ولا بالجهاد ولا بالصوم ولا بالصلاة، وإنما ينبل عندنا من كان يعقل ما يدخل