من مصر، وإنما أراد ابن المبارك أن يسهل عليه ولم يدرِ أنه يشدد عليه، وكان لا يأكل مما يجيء من مصر، إلاّ الزبيب، وقال أبو عبد الله: بشر بن الحارث كان يأكل من غلة بغداد قلت: لا هو كان ينكر على من يأكل فقال: إنما قدر بشر لأنه كان وحده لم يكن له عيال، ليس من كان معيلاً كمن كان وحده، لوكان إلى ما باليت ما أكلت، وذهب أبو عبد اللّّه إلى أن يأخذ من السواد القوت ويتصدق بالفضل ثم قال: لايعجبني أنْ أبيع شيئاً قلت لأبي عبد الله: ترى أن يشرب الرجل من السواد؟ قال: هذا الذي نحن فيه ميراث إنما آخذ الغلة على الاضطرار، قيل لأبي عبد الله: فيشتري الرجل فيه؟ فقال للسائل: إن كنت في كفاء فلا، ثم قال أكره أن يبيع الرجل داره ولا أرضى في شيء من السواد ولا يشتري إلاّ مقدار القوت، فإذا كان أكثر من قوته تصدق به وقال: أنا أذهب إلى أنّ السواد وقف على المسلمين، أما عمر رضي الله تعالى عنه، فترك السواد ولم يقسمه، وهكذا عثمان تركه، إلاّ أنه أقطع قوماً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن مسعود وسعداً وذكر غير واحد، وأما عليّ رضي الله تعالى عنه فأقره ولم يقسمه، قال أبو عبد الله: من ذهب إلى قول ابن المبارك فذاك البلاء يزعم أنّ السواد يقسم على من شهد الوقعة.
وقال ابن إدريس في دار ببغداد: يبيع أمرها حتى يردها إلى من فتحها بالسيف قلت: ومن أين تقدر على هذا؟ فتبسم وقال: يصير إلى المدينة مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيسأل عنهم، قال أبو عبد الله: أهل المدينة على مذهب ابن إدريس يقولون: المدينة إذا فتحت عنوة قسمت على من شهدها، قلت لأبي عبد الله: فمن خالفهم؟ قال: عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضي اللّّه عنهما أوقفاها على المسلمين، قلت لأبي عبد الله: فمن ورث داراً في القطيعة؟ قال: قال ابن إدريس يردها على من شهد القادسية قلت: وهذا هو عندك القول؟ قال: نعم، ما أحسن ما قال، ولكن مثل هذا الذي في أيدينا إنما هي قطائع لو أنّ وجلاً أراد أنْ يخرج مما في يديه كنا نأمره أنْ يوقفها لأنها فيء، سألت أبا عبد الله عن الكوفة والبصرة: أليس افتتحت؟ قال: لا، إنما جاؤوا فابتنوا فيها، وأدخلت على أبي عبد الله رجلاً فقال: إني ورثت عن أبي أرضين من السواد فقال له: أوقفها على قرابتك، فإن لم يكن فعلى جيرانك، وقيل له أيضاً: ورث رجل داراً في القطيعة فقال: يوقفها، ثم قال: السواد فيء للمسليمن رخص في الشراء، قلت لأبي عبد الله: كيف أشتري في السواد ولا أبيع؟ قال: الشراء عندي خلاف البيع، واحتج أنّ أصحاب رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخصوا في شراء المصاحف وكرهوا بيعها ابن عباس وجابر بن عبد الله، سئل أبو عبد الله: أيما أحبّ إليك؛ سكني القطيعة أو الربض؟ فقال: الربض، قلت لأبي عبد الله: إنّ القطيعة أرفق من سائر الأسواق فقال: أمرها معلوم تعرفها لمن كانت قلت فتكره العمل فيها قد وقع في قلبي منه شيء، فقال ابن مسعود: الإثم حواز القلوب،