حافظاً لمقامه فإنه في سبيل من سبل الله عزّ وجلّ، أفعاله وآثاره حسنات وكل ما تسبب به إلى الآخرة، وكان عوناً له عليها وطريقاً له إليها فهو من الآخرة، وإذا خالف هذه الشروط ولم يستعمل العلم في أحواله وفارق التقوى في تصرفه، أو كان يسعى تكاثراً وحرصاً على الدنيا جزوعاً على ما فاته من الدنيا مستقلاً لما في يديه منها، لا يبالي ما ذهب من دينه إذا سلمت دنياه ولا يبالي من أين اكتسب وفيما أنفق، فهذا يتقلب في المعاصي والمكاره ظهر البطن متعرضاً للمقت من الله عزّ وجلّ، يعمل في البعد والهرب غير مستعد للموت ولا موقن بالحساب، أفعاله وآثاره سيّئات وترك التجارة على هذه الأوصاف المكروهة خير لهذا.
روينا عن علقمة رضي الله تعالى عنه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جلب إلى مصر من أمصار المسلمين فباعه بسعر يومه كان له عند الله تعالى أجر شهيد، ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وآخرون يقاتلون في سبيل الله، وروينا عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يدخل الجنة صاحب مكس، وروينا عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أقال نادماً في بيع أقاله الله عزّ وجلّ يوم القيامة، روينا عن هشام بن عروة ذكر لمعاوية أنّ رجلاً من المعمرين من الجراهمة بالقرب منه فأحضره فقال: ممن الرجل؟ قال من جرهم قال: وكم تعد من السنين؟ قال: خمسين وثلاثمائة سنة قال: أخبرني أيّ المال أفضل؟ قال: عين خدارة في أرض خوارة تعول ولا تعال قال: ثم ماذا؟ قال: فرس في بطنها بتبعها فرس قال: فقال: الإبل والغنم لا أراك تذكرها قال: إنها لا تصلح لمثلك تصلح لمن يباشرها بنفسه.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير مال المسلم سكة مأبورة أو مهرة مأمورة، قوله سكة مأبورة يعني النخيل التي قد أبرت فهي طريق كالسكك، وقوله مهرة مأمورة يعني الخيل النواتج مأمورة كثيرة.
ومن هذا قوله تعالى: (أمَرْنا مُتْرَفِيْهَاْ) الإسراء: 16 أي أكثرناهم، يقال: أمر القوم إذا كثروا، وحدثونا عن عبد الله بن أحمد قال: قدمت من عند معاوية بثلاثمائة ألف دينار وليس بيدي منها إلاّ دقيق وغنم وأثاث، ففزعت من ذلك فلقيت كعب الأحبار فذكرت له ذلك فقال: أين أنت من النخل، فإنّا نجدها في كتاب الله تعالى المطعمات في المحل الراسخات في الوحل وخير المال النخل، بائعها ممحوق ومبتاعها مرزوق، مثل من باعها ثم لم يجعل ثمنها في مثلها كمثل رماد صفوان، اشتدت به الريح في يوم عاصف ففزعت إلى النخل فابتعتها قال: وقال مروان بن الحكم لوهب بن الأسود: ما المروءة؟ قال: برّ الوالدين وإصلاح المال،