الفصل السابع والأربعون
ذكر حكم المتسبب للمعاش
قال الله تعالى: (وَجَعَلْنا النَّهَارَ مَعَاشًا) النبأ: 11، فذكره فيما عدّد من آياته ونعمته، وقال عزّ وجلّ: (وجَعَلنا لَكُمْ فيها مَعَايِشَ قَليلاً ما تَشْكُرونَ) الأعراف: 1،، فجعل المعاش نعمة طالب بالشكر عليها، وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلاّ الهم بطلب المعاش، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحلّ ما أكل المرء من كسب يده وكل عمل مبرور، وفي لفظ آخر: أحلّ ما أكل العبد من كسب يد الصانع إذا نصح، وفي الخبر: التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصدّيقين والشهداء.
وقد جاء في الحديث: من طلب الدنيا حلالاً وتعفّفاً عن المسألة وسعياً على عياله وتعطّفاً على جاره لقي الله عزّ وجلّ ووجهه كالقمر ليلة البدر، وقد روي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ذات غداة جالسًا مع أصحابه فنظروا إلى شاب ذي جلدة وقوة وقد بكر يسعى فقالوا: ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله عزّ وجلّ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخرًا وتكاثرًا فهو في سبيل الشيطان، وقال ابن مسعود: إني لأمقت الرجل أراه فارغاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: كان الصانع بيده أحبّ إليهم من التاجر، وكان التاجر أحبّ إليهم من البطالة، وسئل إبراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحبّ إليك أم المتفرغ للعبادة؟ قال: التاجر الصدوق أحب إليّ لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده وقد خالفه الحسن البصري رضي الله عنه في هذا، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما من موطن يأتيني فيه الموت أحبّ إليّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري في رحلي وقال أيوب قال لي أبو قلابة: إلزم السوق فإن الغني من العافية يعني الغني عن الناس والله أعلم والغني الذي يطاع الله تعالى