فأمتنع قال: ثم دخلت معه بعد ذلك فجعلت أدلكه فلم يمتنع فقلت له: قد كنت أمتنعت أول مرة قال: كنت أعلم فيه أثرًا ثم وجدت بعد ذلك أصبغ الراشني أنّ رجلاً دلكه في الحمام فرأى على فخذه مكتوب لله بعرق في جسده فقال: أما تنظر أما أنه ما كتبه إنسان، وفي ذلك أيضًا أثر عن يوسف بن أسباط أنه لما حضرته الوفاة أوصى أن يغسله فلان إنسان لم يكن من أصحابه ولا كان معروفاً بفضل، فقيل له في ذلك فقال: أنه قد كان مرة دلكني في الحمام ولم أكافئه علي ذلك وأنا أعلم أنه يحب أنّ يغسلني فأوصيت إليه فيكون ذلك مكافأة مني له، ويصلح أن يستدل على ذلك أيضًا بتجويز الغمز للجسد والظهر.
فقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نزل منزلاً في بعض أسفاره، قال بعض أصحابه: فذهبت أمشي أتخلل النخل أو قال الشجر، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره فقلت له: ما هذا يا رسول الله فقال: أما أنّ الناقة تقحمت بي، وقال بعضهم: لا يحلّ دخول الحمام إلاّ بمئزرين مئزر لوجهه ومئزر لعورته، ورأى ابن عمر رضي الله عنه رجلاً عرياناً فخرج وهو يقول: أعوذ بالله من الشيطان رأيت شيطانًا، وقال مالك رضي الله عنه: من دخل الحمام وخرج عرياناً فلا شهادة له، وإن كان قاعدًا عند الحوض ليغسل فلا بأس، وغسل الرجلين بالماء البارد عند الخروج من الحمام أمان من النقرس، والتنورد بعده قبل غسل الوجه يشيّب اللحية والخناء بعد، يقال: إنه أمان من الجذام ويستحبّ أهل الطب البول قائمًا في الحمام بعد الإينار وقبل غسل النورة، وأمر بعض أطباء العرب بالنورة في كل شهر وأخبر أنه يطفئ المرارة وينقي اللون وأنها تزيد في الجماع وفي السنّة الاستحداد في كل أربعين يومًا لا يستحبّ مجاوزة ذلك، وبعض زهل الطّب يقول: بولة في الحمام في الشتاء أنفع من شربة دواء، والبول في المستحم مكروه من جهة السنّة، وقيل: إنّ البول في المستحم يورث الوسواس، وبعض أهل الطبّ يقول: نومة في الصيف بعد دخول الحمام تعدل شربة دواء، ويستحبون أيضًا الغسل بماء بارد بعد نومة في الصيف، وأنه نافع للجسد، ويقال: إنّ الإنسان إذا جاوز الأربعين سنة نقص في كل يوم إلاّ اليوم الذي يدخل فيه الحمام، وإنّ الحمام عندهم في الصيف أنفع منه في الشتاء، ويكره شرب الماء البارد عند الخروج من الحمام، وحرم رسول الّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخول الحمام عل النساء، وحرمه على الرجال إلاّ بمئزر فإن دخلت المرأة الحمام ضرورة من علّة أو حيض أو نفاس أو في شتاء فلا بأس، وقد دخلت عائشة رضي الله عنها من سقم كان بها ولينه الرجل امرأته وأهله عن دخول الحمام، فإن لم يقبلن لم يحلّ له أن يعطيهن أجرة الحمام، وكان الأمر عليهن، ولا يحل لمسلمة في الحمام أن يليها للخدمة ذمية، فقد نهى عمر وأبو عبيدة رضي الله عنهما عن ذلك وأكره للرجل أن يعطي امرأته أجرة الحمام فيكون معيناً لها على الإثم فإن نهاها فخالفته كان الإثم عليها.