الفصل السادس والأربعون
كتاب ذكر دخول الحمام
الأفضل في وقتنا هذا ترك دخول الحمام لكثرة العراة فيه والعجز عن القيام بأحكامه. إلاّ أنّ دخوله مباح، وقداختلف مواجيد الصحابة في دخوله وكل فيه قدوة وهدى فقال بعضهم: بئس البيت الحمام، يبدي العورة ويذهب الحياء، وروي هذا عن ابن عمر رضي الله عنه وعن عليّ رضي الله عنه معناه. وقال بعضهم: نعم البيت ينفي الدرن ويذكر النار، وروي هذا عن أبي الدرداء وأبي أيوب. ودخل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشام الحمامات، فمن كان داخلاً إلى الحمام فلا يدخله لشهوة لعاجل حظ دنياه ولا عابثًا لأجل الهوى لأنه عمل من أعمال العبد، والعبد مسؤول عنه إن كان محاسباً على جهل أعماله فيقال: لِمَ دخلت؟ وكيف دخلت ولمن دخلت؟ كما يقال له: في كل عمل فعله وفي دخول الحمام ثمانية أحكام أربعة فرائض وأربعة نوافل. فأما الفرائض فستر العورة وغض البصر، وأنْ لا يباشر جسده غير يده وأن يأمر بالمعروف وهو أن يرى عريانًا فيقول له: استتر أو هذا حرام عليك وهذا لا يحل لك، أو قد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو حرم دخول الحمام بغير إزار، فأي هذه الألفاظ قاله سقط عنه ماوراء ذلك من كل شيء يراه من المنكر، وليس عليه القبول ولا الإجبار على المعروف لأن هذا على الإمام القائم بصالح الدين، والداعي لرغبة المسلمين بالبطش والقوة والتمكين في الأرض والتسليط، وهو ساقط عن الرعية بحمد الله ومنه، فأما النوافل الأربع، فأن يرى الطهارة لأجل الدين والنظافة للعبادة لأن الطهارة من أفضل أمور الآخرة والحمام غاية الطهر، وأن يعطي صاحب الحمام الأجرة قبل الدخول، وكذلك يستحب في كل ما يشتريه أو يستعمله خاصة الشيء المجهول مقداره من شرب الماء وأجرة الحجام والذي لا يتقاضى عليه ولا يشترط فيه، فكأنه يكون غير معلوم. وإذا نظر الحمامي إليه صار معلومًا.
والثالثة أن لا يكثر صب الماء عليه من غير حاجة، ولا يستعمل ما يكفي رجلين وثلاثة سيما من الماء الحار، فإنّ له موونة، ولا يستعمل من ذلك إلاّ ما لو رآه الحمامي لم يكره ذلك منه ولم يسوءه، وما علم أن الحمامي لو رآه يستعمله من الماء الكثير لشق عليه ذلك، فإنه مكروه له في غيبه.