إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) الكوثر: 3. الذي ينقطع ذكره وثناؤه فلا يذكر بخير بعد موته، فأما أنت فقد رفعت لك ذكرك تذكر معي إذا ذكرت. وكانت العرب تقول: من كنَّ له أحد الحوبات الثلاث، لم يشرف عشيرته ولم يسد قومه يعنون بالحوب الأم والأخت والبنت، والحوبات جمع حوب وهي كبيرة قال الله تعالى: في أكلكم (أمْوالَ الْيتَامَى ظُلْمًا) (كان حُوبًا كَبيرًا) النساء: 2 - 10. عندي ليس هذا الذي قلتم عندكم.
وكان من خيار التابعين المؤمنين من يستحب له الجمع بين هؤلاء الثلاث: الأم والأخت والبنت، لما فيهن من عظيم المثوبة والفضل ليخالف بذلك سنة الجاهلية. فقد توجد هذه المعاني أو بعضها في العزل فلذلك سميناه شركًا وكرهناه، وهو مذهب الخوارج من النساء كأن فيهن تقزز وتعمق من استعمال كثرة الماء للطهارة، ودخول الحمامات ومجاوزة الحد في الطهور. وكنّ أيضاً يقضين الصلاة أيام الحيض ويصمن في حيضهن، ولا يصلّين في ثياب الحيض حتى يغلسنها، ولا تدخلن الخلاء إلاّ عراة، وكانوا يكرهون الولادة طلبًا للنظافة والتقرز خلاف السنة. نساء العرب ابتدعوا هذه البدع ففارقوا بها سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنن نسائه من أنباط العراق وأهل النهر. وكان بعضهن دخل على عائشة رضي الله عنها لما قدمت البصرة، فلم تأذن لهن في الدخول عليها. وأيضًا فإن الله ورسوله ندبا إلى اتخاذ الولادة بقوله تعالى: (فأتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ) البقرة: 223. قيل: الولد وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نسائكم الودود الولود وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سوداء ولود خير من حسناد لا تلد، وحصير في البيت خير من امرأة لا تلد. ومن بركة المرأة أن تيسر رحمها أحوج ما يكون إلى الجماع إذا طهرت من الحيض. وفي هذا الوقت أكثر ما يعبر النساء بالحمل وأحمد ما يكون المولود عاقبة إذا علق به قبل الطهر. فلهذه المعاني عقب الله عزّ وجلّ الأمر بالجماع والولد بعد الطهر في قوله تعالى: (فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمرَكُمُ الله) البقرة: 222، ولأضدادها في الكراهة والذم أمر الله تعالى باعتزال النساء في الحيض، ويقال إنّ كل مبذول كان أو مجنونًا أو مجذوبًا أو مختلاً، أو في حاله وعتلاً مخبلاً لأنه كان غرسه في سبخة من الأرض فلم يزرع ولم يزك، ومن زرع من حرث طيب زكا زرعه وهو الغشيان في الطهر فلذلك قال: من حيث أمركم الله، وقد رخص طائفة في العزل.
روينا في ذلك رخصة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان سعد يعزل وقد أنكر عليّ عليه السلام على ابن عباس رضي الله عنهم في قوله: إنّ العزل هي الموؤودة الصغرى وقال: