ومروءة السفر بذل الزاد وقلّة الخلاف على إخوانك وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق أهل البيت قال: ثلاثة من المروءة في الحضر: تلاوة كتاب الله عزّ وجلّ، وعمارة مساجد، واتّخاذ الإخوان في الله تعالى، فمن فضل المؤاخاة في الله تعالى أنه قرنها بتلاوة كتابه وعمارة بيوته، وقد جعل الاختلاف إلى المسجد سبب اجتلاب الإخاء، وفي حديث ابن عباس والحسن بن عليّ: من أدمن الاختلاف إلى المسجد، أصاب إحدى خمس خصال أخاً مستفاداً في الله عزّ وجلّ.
وقال أبو عيينة وقد أنشد هذا البيت:
وجدت مصيبات الزمان جميعها ... سوى فرقة الإخوان هينة الخطب
فقال: لقد عهدت أقواماً فارقتهم منذ ثلاثين سنة، ما تخيل لي أنّ حسرتهم ذهبت من قلبي، وقال بعضهم ما هدني شيء ما هدني موت الأقران، ويقال: إذا مات صديق الرجل فَقَدْ فَقَدَ عضواً من أعضائه وأنشدونا عن العتبي:
ولقد بلوت الناس ثم خبرتهم ... ووصلت ما قطعوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً ... وإذا المودة أقرب الأنساب
وبلغني أنّ أخوين ابتلى أحدهما بهوى، فأظهر عليه أخاه وقال: إني قد اعتللت بالهوى، فإن شئت أنْ لا تعتقد عليّ محبتي لله تعالى فافعل فقال: ما كنت لأحلّ عقد أخوتك لأجل خطيئتك أبدًا، قال ثم عقد أخوه بينه وبين الله عزّ وجلّ أنْ لا يأكل ولا يشرب حتى يعافي الله عزّ وجلّ أخاه من هواه، قال فطوى أربعين يوماً في كلها يسأله عن هواه: كيف أنت منه فكان يقول: القلب مقيم على حاله قال: وما زال أخوه الآخر ينحل ويسقم من الغمّ عليه، ومن تركه الطعام والشراب قال: فأزال الله الهوى عن قلب أخيه بعد الأربعين، فأخبره بذلك، فأكل وشرب بعد أنْ كاد يتلف هزلاً وضرًّا، وبمعناه حدثت عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة، فقيل لأخية التقي: ألا تقطعه وتهجره فقال: هو أحوج ما كان إليّ في هذا الوقت لما وقع في عثرته، أنْ آخذ بيده، وأتلطف له في المعاتبة، وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه، وفيما رويناه من الإسرائيليات أنّ أخوين عابدين في جبل، نزل أحدهما ليشتري من المصر لحماً بدرهم، فبصر ببغي عند اللحام، فهويها فواقعها، ثم أقام عندها ثلاثاً واستحى أنْ يرجع إلى أخيه من جنايته، قال: فافتقده أخوه واهتم بشأنه، فنزل إلى المدينة فلم يزل يسأل عنه حتى دل عليه، فدخل عليه وهو جالس مع البغي، فاعتنقه وجعل يقلبه ويلزمه، وأنكر الآخر أنه يعرفه لفرط استحيائه منه، فقال: قم يا أخي فقد علمت بشأنك وقصتك، وما كنت أعزّ علي وأحبّ منك في يومك هذا وساعتك هذه، فلما رأى ذلك لا يسقطه عنده، قام فانصرف معه، فهذا من أحسن النيات وهو طريق العارفين من ذوي الآداب والمروءات، فإن أحب