من الإخوان، فإن لكل مؤمن شفاعة، فلعلك تدخل في شفاعة أخيك، وكانوا يأمرون بالأخوة ويتحاضون على الألفة، ويقال: إذا غفر للعبد شفع في إخوانه، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً غريباً في تفسير قوله تعالى: (وَيَسْتَجيبُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) الشورى: 26، قال: يشفعهم في إخوانهم فيدخلهم الجنة معهم، وممن مال إلى هذا الطريق: ابن المسيب والشعبي، وابن أبي ليلى وهشام بن عروة، وابن شبرمة وشريح وشريك بن عبد الله، وابن عيينة وابن المبارك، والشافعي وأحمد بن حنبل، ومن وافقهم، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ أقربكم مني مجلساً أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون.
وروينا عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المؤمن مألوف ولا خير فيمن يألف ولا يؤلف، وقد قيل: أول ما يرفع من هذه الأمة، الخشوع ثم الورع ثم الأمانة ثم الألفة، وفي الخبر: من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً، إنْ نسي ذكره وإنْ ذكر أعانه، وروينا في خبر مثل الأخوين: إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، وما التقى مؤمنان إلاّ أفاد الله عزّ وجلّ أحدهما من صاحبه خيراً، وروينا في خبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من آخى أخاً في الله عزّ وجلّ، رفعه الله عزّ وجلّ درجة في الجنة لا ينالها بشيء من عمله، ويقال إنّ الأخوين في الله عزّ وجلّ إذا كان أحدهما أعلى مقاماً من الآخر، رفع الآخر معه إلى مقامه، وأنه يلحق به كما تلحق الذرية بالأبوين، والأهل بعضهم ببعض، لأن الأخوة عمل كالولادة، وقد قال الله سبحانه بعد قوله: (أَلَحقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّاتَهُمْ وَمَا ألتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ) الطور: 21، أي وما نقصناهم، وقال تعالى مخبراً عمن لا صديق له حميم تنفعه شفاعته: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعينَ وَلاَ صَديقٍ حَمِيمٍ) الشعراء: 100 - 101 ومعنى حميم أي هميم، أبدلت الحاء هاء لتقاربهما، مأخوذ من الاهتمام أي مهتم بأمره، ففيه دليل أنّ الصديق لك هو المهتم بك، وإنّ الاهتمام حقيقة الصداقة، وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المؤمن كثير بأخيه، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أعطى عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح، وقال أيضاً: إذا رأى أحدكم ودّاً من أخيه فليتمسك به، فقلما تصيب ذلك، وقد قال بعض الحكماء في معناه كلاماً منظوماً شعراً:
ما نالت النفس على بغية ... ألذّ من ودّ صديق أمين
مَنْ فاتَه ودّ أخ صالح ... فذلك المقطوع منه الوتين
وقد يروي هذا المصراع الثاني فذلك المغبون حقّاً يقين، وروينا في الأخبار السابقة إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: يا ابن عمران كن يقظان وارتد لنفسك إخواناً، وكل خدن وصاحب لا يوازرك على مسرتي فهو لك عدو، وفي خبر غيره عن داود عليه السلام أنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليه: يا داود ما لي أراك منتبذاً وحداناً،