لأخر رؤي حسن الجسم: ما أحسن جسمك؟ قال: قلة الفكر وطول الدعة والنوم على الكمطة، وقيل لآخر رآه حكيم سميناً: أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك فما هي؟ قال: آكل اللباب وصغار المعز وأدهن بجام بنفسج وألبس الكتان، والعرب تقول: العاشية تهيج الآبية؛ يعني أنّ الذي لا يشتهي الطعام إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل الذي يأباه لما رأى الآخر تعشى، وذكر الأصمعي أنّ بعض الحكماء أوصى ابنه فقال: يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك؛ يعني تتغذى وكذلك يقال في تناول الشيء قبل الخروج إلى السوق وقبل لقاء الناس أنه أقلّ للشهوة في الأسواق وأقطع للطعام بلقاء الناس، وأنشد هلال بن مجشم شعراً:
وأنّ قراب البطن يكفيك ملأه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
ورؤي بعض الصوفية يمشي في السوق وهو يأكل وكان ممن يشار إليه قال: فقلت له: تأكل في السوق؟ فقال: عافاك الله إذا جعت في السوق آكل في البيت، قلت فلو دخلت بعض المساجد؟ فقال: أستحي منه أن أدخل بيته للأكل، هذا لأنه رأى الأكل من أبواب الدنيا، فدخل في طريقها كما قيل: الأسواق موائد الآباق أبقوا من الخدمة فجلسوا في الأسواق، وفي خبر ابن عمر قال: كنا نأكل في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام، وقال بعض أهل الطب: لحمية أحد العلّتين، ويقال: الحمية للصحيح ضارة كما أنها للعليل نافعة، والدواء إذا لم يجد ما يعمل فيه وجد الصحة فعمل فيها وأنشد بعض العرب شعراً:
وربة حام كان للعبد علّة ... وعلّة جرّ الداء حفظ التقلل
وقال لقمان: من احتمى فهو على يقين من المكروه وفي شك مما يأكل من العوافي، وكان يقال: ليس الطبيب من أحمى الملوك ومنعهم من الشهوات، إنما الطبيب من خلاهم وما يريدون، ثم دبر سياستهم على ذلك حتى تستقيم أجسادهم، وقال مدني عندنا بالحجاز لبعض الأعراب: أخبرني بما تأكلون وما تدعون، فقال: نأكل ما أدب ودرج إلاّ أم حنين فقال المدني: ليهن أم حنين منكم العافية، وفي الخبر أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى صهيباً يأكل تمراً وبه رمد فقال له: تأكل التمر وأنت رمد؟ فقال: يا رسول اللّّه إنما آكل بهذا الشق الآخر يعني جانب العين السليمة، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.