المطبوخ حتى ينعم نضجه، ولا تشربّ دواء إلاّ من علّة، ولاتأكل من الفاكهة إلاّ نضيجها، ولا تأكل طعاماً إلاّ أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام ولا تشرب عليه، فإذا شربت فلا تأكل عليه شيئاً ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام ولو مائة خطوة، وفيما قاله الفلسوف حكمة، قد ورد ببعضها آثار، قد يروى في خبر مقطوع ذكره أبو الخطاب بن عبد الله بن بكر يرفعه: من استقل بدائه فلا يتداوى فربّ دواء يورث داء، وكانت الحكماء تقول: دافع بالدواء ما حملت قوتك الداء، وقال بعضهم: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه ولكن يخلقه.
وقال أبقراط الفيلسوف: الدواء من فوق والداء من تحت، فمن كان داؤه في بطنه فوق سرته سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرته حقن، ومن لم يكن به داء من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن سقى عمل في الصحة داء إذا لم يجد داء يعمل فيه، وفي الخبر: قطع العروق مقة وترك العشاء مهرمة، والعرب تقول: ترك الغداء يذهب بشحم البكاذة يعني الألية، وقال بعضهم: نهاني الأطباء عن الشرب في تضاعيف الطعام، والعرب تقول: تعشّ وتمشَّ وتغدَّْ وتمدَّ؛ يريدون تمدد فأبدلوا الألف من الدال الثانية كراهية التكرار ولازدواج الكلام، ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) القيامة: 33 أي يتمطط، فأبدل من الثانية ألفاً بمعنى يمدّ مطاه يرفع ظهره، وأما في حبس الغائط: فقد قال بعض الفلاسفة: الطعام إذا خرج نجوه قبل ست ساعات فهو مكروه من المعدة، وإذا بقي فيها أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو ضرر على المعدة، ويقال: إنّ حبس البول يفسد من الجسد كما يفسد النهر ما حوله إذا سدّ مجراه ففاض من جوانبه، ويقال: إنّ أرواح المفاصل ميراث حبس الريح، قال الشيخ أبو طالب: قرأت في الحكمة مدار صلاح الأمور في أربعة: الطعام لا يؤكل إلاّ على شهوة، والمرأة لا تنظر إلاّ إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلاّ الطاعة، والرعية لا يصلحها إلاّ العدل، وقيل لبعض حكماء الروم: أيّ وقت الطعام فيه أصلح فقال: إما لمن قدر فإذا جاع وإما لمن لم يقدر فإذا وجد، ويقال: إذا كثرت المقدرة نقصت الشهوة، وقال كسرى لجلسائه: أي خصلة في الإنسان أضرّ؟ فقالوا: الفقر، فقال: البخل أشدّ من الفقر، لأنّ الفقير لا يجد ولابخيل يجد ولا يأكل، وقيل لرجل رؤي سميناً ما أسمنك؟ فقال: أكل الحار وشرب القار والاتكاء على شمالي والأكل من غير مالي، وقيل