هذه الأربع: الموائد، والمناخل، والأشنان، والشبع، ومن غسل بأشنان ابتدأ بغسل فيه بعد غسل يده اليمنى، ويجعل الأشنان في بطن كفه اليسرى يابسًا، ثم يغسل فاه حتى ينقيه بأصابعه، ثم يبل الأشنان فيغسل يديه ولايعيد يغسل كفيه وهو فعل ذوي المروءة، وينغي إذا حضرت الألوان أن يبتدئ بتقدمة الألطف فالألطف والأطيب فالأطيب والأمثل أن يبتدئ بالشواء قبل اليريد ويقدم الطباهج قبل السكباج؛ فذلك سنّة العرب ليصادف جوعهم أطيب الطعام فيستوفوا من ذلك أوفر النصيب فيكون أثوب لصاحبه وأقل لأكلهم، فإن احتاجوا إلى مابعده من غليط الألوان والطعام تناولوا منه قليلاً، فإنما قدم أهل الدنيا اللون الغليظ على اللطيف ليتسع أكفهم وتنفتق شهوتهم، فيكون اللون اللطيف في موضع آخر، وليكونوا قد أكلوا من اللون الأجود الأطيب أقلّ؛ وهذا غير مستحبّ عند أبناء الآخرة، وقد كان من سنّة المتقدمين أن يقدّموا جملة الألوان في مكان واحد مما يشتهي، وليكون ماتقدّم معلومًا لهم وقال لهم إذ لم يكن عنده إلاّ لون واحد: ليس يحضر إلاّ هذا ليستوفوا منه ولايتطلعوا إلى غيره كان صوابًا، حدثني بعض شيوخنا عن شيخ له قال: قدم إلى بعض أهل الشام لونًا من طبيخ فقلت له عندنا بالعراق يقدم هذا اللون آخر الآلوان فقال لي: هكذا هو عندنا بالشام، قال: فاستحييت إذ لم يكن عنده غير ذلك اللون، وقال لي آخر: كنا في جماعة عند رجل فجعل يقدّم إلينا ألوان الرؤوس منها طبيخًا وقديدًا فجعلنا نقصر في الأكل نتوقع بعده الألوان وجملاً أو جدياً، قال: فجاءنا بالطست ولم يقدّم غيرها، فقال لي بعض الشيوخ من أهل التصوّف وكان مزّاحاً: وهو تعالى يقدر أن يخلق رؤوساً بلا أبدان، قال: فبتنا تلك الليلة جياعاً فطلب بعضنا في آخر الليل خبزًا أو فتيتاً لسحوره وينبغي أن يمكنهم من بقية الألوان ولا يرفعهاحتى يرفعوا أيديهم، فإنه من الأدب، ولعل فيهم ما يكون عنده ما قدّم أشهى إليه مما يقدم بعد، وقد يكون فيهم من به حاجة إلى فضل أكل فينقص عليه برفعه قبل أن يستوفي ما في نفسه.

حدثني بعض أصحابنا عن الستوري وكان صوفياً أنه حضر على مائدة أبناء الدنيا وكان فيه بخل، قال: فقدم جملاً فجعلوا يأكلون فلما رآهم يمزقون كل ممزق ضاق صدره فقال: يا غلام ارفع إلى الصبيان قال: فرفع الجمل إلى داخل الدار، فقام الستوري بعد وخلف الجمل فقال صاحب المنزل: إلى أين يا أبا عبد الله فقال: آكل مع الصبيان، فاستحيا الرجل وأمر برد الجمل حتى استوفوا منه، وكان سفيان الثوري يقول: من دعا رجلاً إلى طعامه وهويحبّ أن لا يجيبه فإن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015