فحسن من يأكل بنية الآخرة ولأجل الله سبحانه وتعالى كحسن من جاع لله تعالى وبنية الآخرة، وإلا كان من أبواب الدنيا، فالطعام والأكل يشتمل على مائة وسبعين خصلة ما بين فرض، وسنّة، وأدب، وفضيلة، واستحباب، وكراهة، ومروءة، وفتوة من طريق السلف وصنائع العرب؛ أول ذلك أن يكون المأكول حلالاً، وعلامة الحلال ثلاث: تكون عينه معروفة لم يخالطها عين ذمها العلم من ظلم وخيانة، ويكون سببه مباحًا لم تحتوه بسبب محظور في الشرع لأجل هوى أو مداهنة في دين ودنيا، ويكون قد وافق فيه حكم السنّة لا يكون على وصف مكروه، ثم ينوي بالأكل التقوى على البرّ والتقوى والاستعانة على خدمة المولى، ويعرف النعمة فيها أنها من المنعم وحده لا شريك له فيها، ويعتقد الشكر له عليها، ويؤثر التقلل على الاتساع، والقناعة على الحرص، والأدب فيه على الشره، ثم غسل اليد في أوله للاستحباب، وفي آخره للنظافة والتسمية في أوله، والحمد في آخره، والأكل باليمين، ويبتدئ بالملح ويختم به وأن لا يذم مأكولاً ولا يعيبه إن أعجبه أكل وإلا تركه والقناعة بالمأكول من القسم والرضا بالموجود من الرزق وأن تكثر الأيدي على الطعام.
وفي الخبر: اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه وتصغير اللقمة وتجويد المضغ، وأن لا ينظر في وجوه الآكلين، ولا يفقد مأكلهم، وأن يقعد على رجله اليسرى وينصب اليمنى، ولا يأكل متكئًا ولا مضطجعاً، ولا يكون أول من يبتدئ بالأكل حتى يسبق صاحب المنزل، والأكبر فالأكبر إلاّ أن يكون إماماً يقتدى به، أو يكون القوم منقبضين فيبسطهم بالابتداء، ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق ولا يجمعهما في كفه، وليضع النواة على ظهر كفه من فيه، ثم يلقيها كذلك وما كان في معناه مما له عجم أو ثفل، ويستحبّ أنّ يأكل من التمر وترًا سبعًا أو إحدى عشرة وإحدى وعشرين، وأن يفطر على رطب إن وجده، وإلاّ فتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، وكان وهب بن منبه يقول: الصائم يزيغ بصره، فإذا أفطر على حلاوة رجع بصره، ولايقرن بين تمرتين في الجماعة إلاّ أنْ يفعلوا ذلك أو يستأذنهم، وأنْ يأكل بعد الجوع، ويرفع يده قبل الامتلاء بمقدار ثلث بطنه أو نصفه، كذلك سنّة السلف وهو أصحح للجسم، وقال حكيم من أهل الطبّ: إن الدواء الذي لا داء فيه هو أنْ لاتأكل الطعام حتى تشتهيه وترفع يديك عنه وأنت تشتهيه، وفي الخبر: أصل كل داء البردة، يقال: هي التخمة، ويقال في اختيار الحكماء: إنّ خادماً لأرسطاطاليس استقضى رجلاً من أهل السواد حاجة له فلم يفعل، فقال له: لعلك تحتاج إليه، فقال: ما لي إليه من حاجة، فأخبر الخادم الحكيم بذلك، فقال: إن كان يأكل بعد الجوع ويرفع قبل الشبع ويتقلل بين ذلك فقد صدق ما له إلىنا من حاجة، وقد أحكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بقوله: ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن حسب ابن آدم لقيمات يشد بهّن صلبه فإن لم يفعل فثلث طعام وثلث شراب