وحقيقة الإخلاص سلامته من وصفين؛ وهما: الرياء والهوى، ليكون خالصًا كماوصف الله تعالى الخالص من اللبن، فكان بذلك تمام النعمة علينا، فقال: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لبََناً خَالصاً) النحل: 66، فلو وجد فيه أحد الوصفين من فرث أو دم لم يكن خالصًا، ولم تتم النعمة به علينا ولم تقبله نفوسنا، فكذلك معاملتنا لله عزّ وجلّ إذا شابها رياء بخلق أو هوى من شهوة نفس، ولم تكن خالصة لم يتم بها الصدق والأدب في المعاملة ولم يقبلها الله تعالى منّا فاعتبروا.

وروينا عن سعيد بن أبي بردة عن كتاب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى أبي موسى الأشعري: أنه من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للناس بما يعلم الله تعالى منه غير ذلك شانه الله تعالى، فما ظنك؟ وكتب سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزير: اعلم يا عمر أن ّ الله تعالى عون للعبد بقدر النية، فمن تمّت نيته تم عون الله تعالى إياه، ومن قصرت عنه نيته قصر عنه من عون الله تعالى بقدر ذلك، وقد قال الله تعالى في تصديق ذلك: (إنْ يُريدا إِصْلاحاً يُوَفّّقِ الله بَيْنَهُمَا) النساء: 35، فجعل سبب التوفيق إرادة الإصلاح؛ فذلك هو أول التوفيق من الموفق المصلح للعامل الصالح، وقال بعض السلف: رأيت الخير إنما يجمعه حسن النية وكفاك به خيراً وإن لم ينصب ربّ عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبر تصغره النية، وكتب بعض الأدباء إلى أخيه: أخلص النية في أعمالك يكفك القليل من العمل، وقال داود الطائي: من أكبر همه التقوى لو تعلقت جميع جوارحه بالدنيا لردته نيته يوماً إلى نية صالحة، فكذلك الجاهل بالله تعالى وأيامه همه الدنيا والهوى، ولو تعلقت جوارحه بكل أعمال الصالحات لكان مرجوعًا إلى إرادة الدنيا وموافقة الهوى، لأن سرّها كان همه النفس لعاجل عرض الدنيا، وقال محمد بن الحسين: ينبغي للرجل أن تكون نيته بين يدي عمله، وقال أيوب السجستاني وغيره: تخلص النيّات على العمّال أشدّ عليهم من جميع الأعمال، وقال الثوري: كانوا يتعلمون النية للعمل كما يتعلمون العلم، وقال بعض العلماء: طلب النية للعمل قبل العمل وما دمت تنوي الخير فأنت بخير، وقال زيد بن أسلم: خصلتان هما كمال أمرك تصبح ولا تهيّم لله تعالى بمعصية وتمسي ولا تهيّم لله تعالى بمعصية، وكذلك قال بعض السلف في معناه: إنّ نعمة الله تعالى أكثر من أن تحصوها وإنّ ذنوبكم أخفى من أن تعلموها ولكن أصبحوا توّابين وأمسوا توّابين يغفر لكم ما بين ذلك.

وروينا في الخبر عن بعض المريدين: أنه كان يطوف على العلماء يقول: من يدلّني على عمل لا أزال فيه عاملاً لله تعالى فإني أحبّ أن لاتجيء عليّ ساعة من ليلٍ أو نهار إلاّ وأنا عامل من عمال الله تعالى، فقيل له: قد وجدت صاحبك اعمل الخير ما استطعت، فإذا أقترت أو تركته فهمّ بعمله، فإن الهامّ بعمل الخير كعامله.

وروينا عن عيسى عليه الصلاة والسلام: طوبى لعين نامت ولا تهمّ بمعصية وانتهت إلى غير إثم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015